[11]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين حمدا يقربنا إلى مرضاة الله تعالى وكرامته وصلاة تبلغنا إلى محبة الرسول وشفاعته حمدا يفتتح به كل مقال وصلاة ينال بها كل ما يطلب ويغتنم.
قال مولانا قاضي القضاة الإمام الأجل الكبير الأستاذ فخر الملة والدين محمود الأوزجندي قدس الله روحه: يقول العبد الضعيف الفقير إلى رحمة الله تعالى الغني سدده الله في القول والعمل عصمه من الطغيان والزلل: ذكرت في هذا الكتاب من المسائل التي يغلب وقوعها وتمس الحاجة إليها وتدور عليها واقعات الأمة ويقتصر عليها رغبات الفقهاء والأئمة وهي أنواع وأقسام فمنها ما هي مروية عن أصحابنا المتقدمين ومنها ما هي منقولة عن المشايخ المتأخرين رضوان الله عليهم أجمعين ورتبته ترتيب الكتب المعروفة وجعلت لكل جنس فصلا وبينت لكل فرع أصلا وفيما كثرت فيه الأقاويل من المتأخرين اقتصرت فيه على قول أو قولين وقدمت ما هو الأظهر وافتتحت بما هو الأشهر إجابة للطالبين وتيسيرا على الراغبين وعلى الله توكلت واستعصمته عن الخطأ فيما نويت وهو حسبي ونعم الوكيل وعليه أتوكل وبه أستعين.
فصل في رسم المفتي
المفتى في زماننا من أصحابنا إذا استفتي في مسألة وسئل عن واقعة إن كانت المسألة مروية عن أصحابنا في الروايات الظاهرة بلا خلاف بينهم فإنه يميل إليهم ويفتي بقولهم ولا يخالفهم برأيه وإن كان مجتهدا متقنا لأن الظاهر أن يكون الحق مع أصحابنا ولا يعدوهم واجتهاده لا يبلغ اجتهادهم ولا ينظر إلى قول من خالفهم ولا يقبل حجته لأنهم عرفوا الأدلة وميزوا بين ما صح ثبت وبين ضده فإن كانت المسألة مختلفا فيها بين أصحابنا فإن كان مع أبي حنيفة رحمه الله تعالى أحد صاحبيه يؤخذ بقولهما لوفور الشرائط واستجماع أدلة الصواب فيهما وإن خالف أبا حنيفة رحمه الله تعالى صاحباه في ذلك فإن كان اختلافهم اختلاف عصر وزمان كالقضاء بظاهر العدالة يأخذ بقول صاحبيه لتغير أحوال الناس وفي المزارعة والمعاملة ونحوهما يختار قولهما لاجتماع المتأخرين على ذلك وفيما سوى ذلك قال بعضهم يتخير المجتهد ويعمل بما أفضى إليه رأيه. وقال عبد الله بن المبارك: يأخذ بقول أبي حنيفة رحمه الله وتكلموا في المجتهد قال بعضهم: من سئل عن عشر مسائل فضلا فيصيب في الثمانية ويخطئ في البقية فهو مجتهد. وقال بعضهم: لابد للاجتهاد من حفظ المبسوط ومعرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمؤول والعلم بعادات الناس وعرفهم.
وإن كانت المسألة في غير ظاهر الرواية فإن كانت توافق أصول أصحابنا يعمل بها وإن لم يجد لها رواية عن أصحابنا واتفق فيها المتأخرون على شيء يعمل به وإن اختلفوا يجتهد ويفتى بما هو صواب عنده وإن كان المفتى مقلدا غير مجتهد يأخذ بقول من هو أفقه الناس عنده في مصر آخر يرجع إليه بالكتاب ويثبت في الجواب ولا يجازف خوفا من الافتراء على الله تعالى بتحريم الحلال وضده والله الموفق للصواب.
كتاب الطهارة
فصل في الطهارة بالماء
الماء الذي يتوضأ به ثلاثة: الماء الجاري والماء الراكد وماء البئر وأقواها الماء الجاري إن كان قوي الجري يجوز الاغتسال فيه والوضوء منه ولا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم ير أثر النجاسة فيه من لون أو طعم أو ريح.
(ماء النهر أو القناة) إذا احتمل عذرة فاغترف إنسان بقرب العذرة جاوز والماء طاهر مالم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة.
(ماء النهر) إذا انقطع من أعلاه لا يتغير حكم جريه بانقطاع الأعلى فيجوز التوضؤ بما يجري فيه.
(حفيرتان) يخرج الماء من إحداهما ويدخل في الأخرى فتوضأ إنسان فيما بينهما جاز وماء الحفيرة التي اجتمع فيها الماء فاسد الماء إذا جرى على الجيفة أن فيها إن كان الماء كثيرا إلا تستبين فيه الجيفة فالماء طاهر وإن تستبين لقلة الماء فالماء نجوس.
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى (ساقية) صغيرة وقع فيها كلب فجرى الماء على ظهر الكلب فتوضأ إنسان من أسفله لا بأس به ما لم يتغير لون الماء أو ريحه قال الفقيه أبو جعفر معناه عندنا إذا جرى الماء على الكلب وغمره في النهر وكان الماء غالبا عليه بحيث لا يرى إذا كان يستبين الطلب تحت الماء الذي يجري عليه ولا يجري في جانبيه ماله قوة الجريان فتوضأ إنسان من أسفله ينبغي أن لا يجوز ويكون نجسا. (سطح) عليه نجاسة جرى عليه المطر إن كان أكثر الماء يجري على النجاسة فالماء نجس وما أصاب الثوب من تقاطر يفسده قال محمد رحمه الله تعالى: إن كانت النجاسة في جانب واحد من السطح أو في جانبين فالماء الذي يجري على السطح طاهر وإن كانت النجاسة في ثلاثة جوانب فالماء نجس هذا إذا كانت النجاسة على السطح فإن كانت عند الميزاب أو فيه فالماء نجس ما دامت النجاسة فيه وإن زالت النجاسة بجريان الماء فما بعدها من الماء طاهر.
Shafi 1