Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Mai Buga Littafi
دار الفكر
وَتَقْدِيم المفضُول فِي هَذِه الحكم تعرف بِالتَّأَمُّلِ، وَبِأَن النُّور قبل الظلمَة وبأنَّ الشُّعَرَاء مَا زَالُوا يذمُّون اللَّيْل، وَبِه تدبُّ الْهَوَام، وتثور السبَاع، وتنتشر اللُّصُوص، وتتوفر الْمعاصِي، وَشبه بِهِ تَعَالَى وُجُوه أعدائه فَقَالَ ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ الَّيْلِ مُظْلِمًا﴾ [يُونُس: ٢٧] وَالْفَاسِق يرقب اللَّيْل إِذا أظلم. وَنهى ﷺ عَن جدَاد اللَّيْل وصرامه، وَأمر بغَلْق الْأَبْوَاب وكفِّ الصّبيان لانتشار الشَّيَاطِين فِيهِ، وَالْأَيَّام مُسَمَّاة دون اللَّيْل وَإِنَّمَا تعرف بِالْإِضَافَة للنهار، وَالْأَيَّام الفاضلة كَثِيرَة كَيَوْم الْجُمُعَة، وَيَوْم عَرَفَة، وَيَوْم عَاشُورَاء، وَالْأَيَّام المعلومات والمعدودات، وَلَيْسَ فِي اللَّيَالِي إِلَّا لَيْلَة الْقدر وَلَيْلَة نصف شعْبَان. وَإِذا تَأَمَّلت هَذِه الْحجَج وجدت أَكْثَرهَا لَا يَقْتَضِي تَفْضِيلًا لِأَنَّهَا أُمُور عَادِية لَا شَرْعِيَّة، والشرعي من ذَلِك النَّهْي عَن الصَّوْم والجداد لَيْلًا، وسِرُّه أنَّ فِيهِ منع الْفُقَرَاء، لِأَنَّهُ لخُصُوص اللَّيْل، وانتشار الشَّيَاطِين وَنَحْو السبَاع إِنَّمَا هُوَ لما فِيهِ من الْخُلُو الَّذِي يَقْتَضِي تفضيله لصفاء الْعِبَادَة فِيهِ أَكثر من النَّهَار، وأحْسَنُ مَا يفضل بِهِ النَّهَار أَن فِيهِ الصَّلَاة الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ أفضل الصَّلَوَات وَالصَّوْم الَّذِي قَالَ الله فِي حَقه. (كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزى بِهِ) .
١٩٦ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: كم يُقيم عِيسَى ﵊ بعد نُزُوله؟ فَأجَاب بقوله: يُقيم سبع سِنِين كَمَا صَحَّ فِي حَدِيث مُسلم. وَلَا يُنَافِيهِ حَدِيث الطَّيَالِسِيّ أَنه يُقيم أَرْبَعِينَ سنة. لِأَن المُرَاد مَجْمُوع لبثه فِي الأَرْض قبل الرّفْع وَبعده فَإِنَّهُ رفع وَسنة ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة.
١٩٧ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ وبعلومه بِمَا لَفظه: مَا مُحَصل كَلَام النَّاس فِي عوج بن عنق، وَمَا حَكَاهُ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ مِمَّا يطول بَسطه ويعظم استقراؤه؟ فَأجَاب بقوله: قَالَ الْحَافِظ الْعِمَاد بن كثير: قصَّة عوج بن عَنَقْ وَجَمِيع مَا يحكونه عَنهُ هذيان لَا أصل لَهُ وَهُوَ من مختلقات زنادقة أهل الْكتاب، وَلم يكن قطّ على عهد نوح وَلم يَسْلم من الْغَرق من الْكفَّار أحد. وَقَالَ ابْن الْقيم: من الْأُمُور الَّتِي يعرف بهَا كَون الحَدِيث مَوْضُوعا أَن يكون مِمَّا تقوم الشواهد الصَّحِيحَة على بُطْلَانه كَحَدِيث عوج بن عنق الطَّوِيل الَّذِي قصد وَاضعه بِهِ الطعْن فِي أَخْبَار الْأَنْبِيَاء، ثمَّ قَالَ بعد ذكر شَيْء مِمَّا حكم من غَرَائِبه: وَلَيْسَ الْعجب من جَرَاءَة هَذَا الكذَّاب على الله إِنَّمَا الْعجب مِمَّن يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي كتب الْعلم من تَفْسِير وَغَيره، وَلَا يبين أمره، ثمَّ قَالَ: وَلَا ريب أنَّ هَذَا وَأَمْثَاله مِنْ وضْع زنادقة أهل الْكتاب الَّذين قصدُوا الِاسْتِهْزَاء والسخرية بالرسل وأتباعهم انْتهى. وَأورد فِيهِ ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر من قصَّته شَيْئا. قَالَ بعض المنصفين: هَذَا مِمَّا يستحي الشَّخْص من نسبته لِابْنِ عمر ﵄ وَذكره عَنهُ، وَمَشى فِي (الْقَامُوس) على شَيْء من أخباره الْمَوْضُوعَة. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن حبَان فِي كتاب (العظمة) فِيهِ آثارًا. قَالَ الْحفاظ فِي أطولها الْمُشْتَمل على غرائب من أَحْوَاله: إِنَّه بَاطِل كذب. قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ: وَالْأَقْرَب فِي خبر عوج بن عنق أَنه كَانَ من بَقِيَّة عَاد، وَأَنه كَانَ لَهُ طول فِي الْجُمْلَة مائَة ذِرَاع أَو شبه ذَلِك، وَأَن مُوسَى صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم قَتله بعصاه هَذَا هُوَ الْقدر الَّذِي يحْتَمل قبُوله انْتهى.
١٩٨ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ وبعلومه: عَن جمَاعَة يصلونَ على النَّبِي ﷺ فِي الْجَامِع الْأَزْهَر وَفِي مَكَّة وَغَيرهمَا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَالْجُمُعَة، وَمن جملَة صلَاتهم: اللَّهُمَّ صلّ أفضل صَلَاة على أفضل مخلوقاتك سيدنَا مُحَمَّد الخ، فَاعْترضَ عَلَيْهِم بعض المنتسبين للْعلم وشنَّع وَقَالَ: وَلم يدل على ذَلِك دَلِيل فَيتَعَيَّن الْإِمْسَاك عَنهُ فَهَل هُوَ مُصِيب فِي ذَلِك أَو مخطىء؟ فَأجَاب بقوله ﵁: هُوَ مخطىء فِي ذَلِك أَشد الْخَطَأ، وَكَأَنَّهُ سرى إِلَيْهِ ذَلِك من قَول بعض مَنْ لَا علم عِنْده اعتراضًا على قَول بعض المادحين: لولاه مَا كَانَ لَا ملك وَلَا ملك، مثل هَذَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَلم يرد فِي كتاب وَلَا فِي السّنة مَا يدل عَلَيْهِ انْتهى. وعَلى قَول أشرف الْخلق لَا خَلْق يماثله الَّذِي أخبرنَا بِهِ عَن نَفسه ﷺ: (أَنا سيد ولد آدم) . وَمَسْأَلَة تَفْضِيل صالحي الْبشر على الْمَلَائِكَة أجَاب فِيهَا أَبُو حنيفَة وَغَيره بِلَا أَدْرِي، وَهَذَا هُوَ الْجَواب الصَّحِيح، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىاكَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الْإِسْرَاء: ٧٠] وَلم يقل على الْخلق وَرَسُول الله ﷺ من بني آدم وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا كلفنا بمعرفته، والبحث عَنهُ وَالْكَلَام فِيهِ فضُول، والسكوتُ عَنهُ هُوَ الْجَواب انْتهى كَلَام الْمُعْتَرض أَيْضا، وَكَأن ذَاك الْمُعْتَرض الْمَذْكُور فِي السُّؤَال قلَّد هَذَا الْمُعْتَرض، وكل مِنْهُمَا مخطىء مجازف قد صيَّر نَفْسه هدفًا لنصال الْعلمَاء الْمُصِيبَة، وغرضًا لهفوات الشَّيَاطِين المريبة. وَمِمَّا هُوَ وَاضح جليّ فِي بطلَان الِاعْتِرَاض الأول بل وَالثَّانِي لمن تَأمل قَوْله: (لأحب
1 / 133