إذا اعتبرنا عملية التجمع والتفرع تطورا؛ فالتطور السديمي تألب جماعة ثم تقلصها بفعل الجذب وتفاوت طبقاتها بدرجات التقلص تبعا لقانون البعد عن المركز، ثم تقسم الطبقات المتطرفة إلى جماعات، وأما التطور الحيوي فعمل كيماوي يجتذب الجزيئات من الخارج إلى الداخل ثم يوزعها في الداخل، واللاحق منها يطرد السابق؛ فالعملية إذن عملية امتصاص وإفراز في وقت واحد تخرج بها الجزيئات المفرزة مختلفة اختلافا كليا عن الجزيئات التي دخلت ممتصة. (2) تجمع التجمع الحيوي
تتوالد الخليات بالتقسيم المشار إليه آنفا وتتضاعف عددا على التوالي، فتبلغ في عهد قصير ألوفا بقدر ما تسمح لها البيئة إلى أن تصبح جماعة كبيرة، فإذا لم تسمح لها البيئة بالتفرق والتشتت، كما لو كانت في مستنقع راكد؛ بقيت جماعة متعاونة، وفي هذه الحال تختلف ظروف أفرادها بحسب مواضعها في تجمعها؛ فالتي في الحواشي والأطراف تكون ذات حظ أوفر من الامتصاص والإفراز، والتي في الداخل تقتبس حاجتها من الممتصات. وعلى التمادي تصبح الجماعة متعاونة في حياتها، وبالتالي أشد ارتباطا بعضها من بعض؛ تصبح أخيرا كجسم واحد متعدد الخليات كالهيدرا
Hydra . هكذا ينشأ حي مؤلف من خلايا حيوية ذات عدة بروتوبلاسمات،
1
وعلى التمادي يختص كل فريق من هذه الخلايا بوظيفة من وظائف العمل الحيوي، كالامتصاص والهضم والإفراز ... إلخ، كأنها جماعة اشتراكية فرقت الأعمال فيما بينها، وتقاسمت نتاج أعمالها.
لا ترى في المجتمع السديمي مثل هذا التنويع في الوظائف؛ فالجماعات أو الفروع الصغيرة كالأمهات الكبيرة ذات طبائع وسجايا متماثلة.
ثم إن لهذا التجمع المركب الحيوي - تجمع الخليات والتصاقها - حدا يبلغه أيضا فلا يتجاوزه، حتى متى بلغت الجماعة إليه وصارت ناضجة انفصلت منها خليات لتنشئ بنوبتها جماعة جديدة - كما هو معروف في عمليات التناسل المختلفة - بنفس الطريقة التي نشأت فيها أمها؛ أي: بالامتصاص من الخارج والاندماج في الداخل والتقسم الخليي - الخلوي.
على هذا النحو نشأت أنواع الأحياء من أحقرها إلى أعلاها؛ فتعددت أصناف الخلايا البروتوبلاسمة بتعدد الوظائف اللازمة لحياة كل نوع. تنوعت الأحياء تحت فعل عوامل البيئة من الخارج وعوامل الحياة من الداخل، وإذا بنا نرى هذه الأحياء العديدة الأنواع تجمعات خليات مختلفة - جماعات، وكل جماعة منها مجموعة جماعات أيضا، كما نرى في الأحياء العليا. انظر إلى الفرد منها تره مجموعة أجهزة - هضم، عصب، تنفس، دورة دموية ... إلخ - وكل جهاز منها مجموعة جماعات من الخليات المختلفة بنية وسجية.
ترى مما تقدم أن التجمع الحيوي الكيماوي أكثر تركبا وتعقدا من التجمع المادي الميكانيكي في الأجرام والسدم، وتفرعه عديد التنوع جدا. أنواع لا تحصى متدرجة في سلم التطور من الهيدرا إلى سائر المائيات؛ فالصدفيات إلى الضفدعيات إلى الفقاريات فاللبونات إلى أشباه الإنسان حتى الإنسان.
فما هو الفرق الجوهري بين نوعي التجمع المادي الميكانيكي والحيوي الكيماوي؟
Shafi da ba'a sani ba