ولكن استقلالها بنظامها لا يمنع أن ترتبط بنظام آخر أكبر وأعم، بسبب أن هذه الكتل - وهي لا تزال متجاورة - ينازع بعضها بعضا كأنها تغزو بعضها بعضا، فتتغلب كبيرة على صغيرة، وتجذبها إليها، أو ترجح جاذبية واحدة على جاذبية أخرى فتسلخ منها نطفة أو كتلة، وهكذا تصبح الكتلة مجموعة كتل كل واحدة منها ذات نظام خاص لها، وجميعها مشتركة بنظام واحد عام، تتجاذب فيه إلى مركزها، وتدور حولها دورة أخرى غير دورتها على نفسها، كما سنشرحه في محله. وفي المجرة كثير من هذه الكتل المستقلة بنظامها من ناحية، والمشتركة بنظام المجرة العام، كالنظام الشمسي والنظم العنقودية والكوكبات
Constalations . (2-3) قوى روابط التجمع
نظرة إجمالية فيما تقدم من الشرح ترينا السنة العامة لروابط التجمعات المختلفة، أو تتجلى لنا فيها سنة الجاذبية كأنها القوة الوحيدة التي تربط هذه التجمعات المختلفة.
نلاحظ أن التجمعات الأولى الدقيقة - الكهارب والكهيربات - أمتن من التجمعات الثابتة - الذرات، وهذه أمتن من التجمعات الثالثة - الجزيئات؛ ذلك لأن فوتونات البروتون أشد تقاربا من فوتونات الإلكترون، وفوتونات الاثنين أكثر تقاربا من الكهارب والكهيربات في الذرة، وتقارب هذه أكثر من تقارب الذرات في الجزيء، وبحسب قانون الجاذبية قوة التجاذب تشتد كمربع البعد عن المركز. وبناء عليه أمتن التجمعات تجمع فوتونات البروتون وأضعفها تجمع الذرات في الجزيء؛ لذلك حل الجزيء وتفتيته أسهل من حل الذرة، وحل هذه أسهل من حل الكهيرب، فالكهرب، كما هو معلوم. ولذلك أيضا نرى أن القوة الصادرة من حل الكهرب أعظم جدا جدا من القوة الصادرة من حل الكهيرب، إن تيسر تفتيت كل منهما، وإلى الآن لم يتيسر إلا تفتيت الذرة ثم تفتيت نواتها إلى بروتونات وإلكترونات متفرقة، وقد ظهر أن القوة الصادرة من تفتيت الذرة عظيمة جدا فما بالك في القوة التي تصدر من تفتيت البروتون والإلكترون إذا تيسر تفتيتهما صناعيا واعتقال القوة الصادرة منهما واستخدامها - وقد تيسر هذا في القنبلة الذرية كما يعلم القارئ في كتابي «عالم الذرة» حيث يتضح كيف أن تفتيت الذرة يصدر قوة.
نحن نعرف القوة الصادرة من حل الذرة، أو بالأحرى من فصل كهيرب واحد منها ونقله إلى ذرة أخرى، وهي قوة الكهرباء التي تحولها إلى قوة ميكانيكية باستخدامها في مغنطة الحديد، وكذلك نعرف القوة الصادرة من حل الجزيء إلى ذرات تتبادلها الجزيئات المختلفة، وهي قوة الكهرباء الكيماوية في البطاريات، ونعرف جيدا أن القوة الأولى أضعاف أضعاف القوة الثانية.
نسمي النظام الذري نظاما كهربائيا؛ لأن الذرات تتبادل كهاربها تبادلا متتابعا نسميه تيارا كهربائيا، ونسمي النظام الجزيئي نظاما كيماويا؛ لأن الجزيئات تتبادل ذراتها مقايضة، فتتحول من صنف إلى صنف، ولكن هذه التسمية لا تدل على تنوع التجاذب بين الوحدات المتجاذبة سواء كانت فوتونات أو بروتونات أو إلكترونات أو ذرات أو جزيئات؛ فالتجاذب واحد فيها جميعا، وسنته واحدة وهي ناموس الجاذبية بعينه، وإنما الفرق بين التجاذبات في هذه المذكورات إنما هو في حدة الجذب بسبب تقارب الوحدات أو تباعدها. ليس سوى هذا.
وإذا تجاوزنا النظر في الذرة والجزيء إلى النظر في أنواع التكتل المختلفة نرى قوة التجاذب أصبحت أضعف جدا؛ لشدة تباعد الجزيئات بعضها عن بعض، ككتل الغاز وكتل السوائل وكتل البلورات وكتل سائر الجوامد، فهذه سهل حلها جدا، ولذلك فالقوة الصادرة من حلها ضعيفة جدا بالنسبة إلى القوة الصادرة من حل الذرات. حسبك أن تقارن القوة الصادرة من الآلة البخارية بالقوة الصادرة من المولد الكهربائي، بمراعاة مقدار المواد المستخدمة لكل من العمليتين؛ فترى الفرق الهائل.
ونحن نسمي قوة التكتل بجاذبية الملاصقة وجاذبية الالتصاق والجاذبية الشعرية ونحو ذلك، وما خرجت عن كونها الجاذبية العامة بعينها، وإنما هي ضعيفة جدا هنا لتباعد الذرات والجزيئات جدا بالنسبة إلى تباعد وحدات الذرات.
وإذا انتقلنا إلى عالم السدم والأجرام رأينا قوة التجاذب في منتهى الضعف بحيث تدع جسيمات الكتل الغازية متفرقة وكتل السدم والأجرام مبعثرة مشتتة، وهي أميل إلى التباعد منها إلى التقارب، كما هو معلوم من تمدد الحيز الكوني وانتفاخه، وتشتت السدم والمجرات في الفضاء اللامتناهي.
الفصل الثاني
Shafi da ba'a sani ba