والله خلقكم وما تعملون ،
27
فالكلام فيه موجه إلى قوم إبراهيم؛ إذ قال لهم:
أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون ،
28
أي خلقكم وخلق هذه الأصنام التي تنحتونها، وليس المقصود به نسبة معاصي العباد إلى الله.
ويتفق أهل السنة والمعتزلة على التفرقة بين حركات الجبر وحركات الاختيار في الإنسان فيقولون: إن الإنسان ليس بأقل عقلا، ولا أقل اختيارا من الدابة التي يركبها، أو كما قال أبو الهذيل العلاف متهكما مفندا: «إن حمار بشر أعقل من بشر؛ لأن حمار بشر لو أتيت به إلى جدول صغير وضربته فإنه يطفره، ولو أتيت به إلى جدول كبير وضربته فإنه لا يطفره ويروغ عنه؛ لأنه فرق بين ما يقدر على طفره وبين ما لا يقدر عليه، وبشر لا يفرق بين المقدور له وغير المقدور.» •••
هذه خلاصة وجيزة لأطراف القول في مسألة القضاء والقدر بين الفرق الإسلامية، ومن البين أن القول الفصل في هذه المسألة الجلي ليس لمذهب واحد من بين جميع المذاهب، ولا نحسب أنه تجمع لمذهب واحد على الإطلاق فيما علمناه وفيما هو شبيه بما علمناه؛ لأن المرجع في سر القضاء والقدر إلى حكمة الله، وحكمة الله تتعلق بالأبد لا ابتداء له ولا انتهاء، ولا تتعلق بهذه الحقيقة أو بتلك الحقيقة في الزمن الذي يحيط به المخلوقات.
وليس من دعوانا هنا ولا من عرضنا أن نأتي بالقول الفصل في مسألة من المسائل التي تتسع لاختلاف الآراء ولا تنتهي إلى قرار؛ لأن الغرض الأول من هذا الكتاب هو تقرير مكان الفلسفة القرآنية من الدعوات الدينية التي تنتظم عليها حياة الجماعات البشرية، ومكان الفلسفة الإسلامية بين تلك الدعوات واضح محدود.
فليس في الإسلام ما في اليهودية من صورة الإله الذي ينافس البشر وينافسونه، ويقدر لهم حسابهم فيخطئ الحساب؛ لأن قدر الله في الإسلام بكل شيء:
Shafi da ba'a sani ba