فالروح من روح الله، وهو أزلي وأبدي بلا أول ولا آخر ولا زمان ولا مكان، ومنهم من يقول بحدوث الروح، ويعني بذلك أنها غير قديمة، وينكر قدم العالم على الإجمال.
وهنا يرد على الخاطر سؤال عن تساوي الأرواح في القدم أو تساويها في الحدوث.
فهل وجدت أرواح الآباء والأبناء والأحفاد في وقت واحد؟ أو وجدت على تفاوت في الترتيب؟ وهل تنقطع صلة الأبوة بين الأرواح؟ أو هناك أرواح توصف بالأبوة وأرواح توصف بالبنوة على النحو الذي نشهده في الحياة؟ وما الفارق بين أرواح الآباء والأمهات وأرواح الذكور والإناث؟
ويرد على الخاطر سؤال آخر عن علاقة الروح بالجسد بعد دخوله والامتزاج بأعضائه: هل تأتي بالمعرفة معها من عالم الأرواح، أو هي تتلقى المعرفة من ملامسة الأعضاء وحس الحواس التي تتألف من البصر والسمع واللمس والشم والذوق وما إليها؟ وهل تحمل معرفتها معها بعد فراق الجسد أو تتركها وراءها بعد انقطاع الصلة بينها وبين الإحساس بالحواس؟
ويرد على الخاطر سؤال غير هذين السؤالين في مسألة الثواب والعقاب؛ فهل تخلص الروح من الجسد كما دخلته مبرأة من الذنوب؟ وهل يلصق شيء من الجسد بشيء من الروح؟ وإذا كانت قبل نزولها فيه وخروجها منه خالصة من تلك الذنوب؛ فكيف يكون العقاب؟ أو كيف تعاقب الأجساد بمعزل عن الأرواح؟ أو كيف تعاقب الأرواح بمعزل عن الأجساد؟
والذين قالوا بدخول الروح في الأجساد أكثر من مرة يسألون: لماذا ينسى الروح حياته الأولى في الجسد القديم بعد دخوله في الجسد الجديد؟ وهل يعود إلى التذكر بعد التجرد من الحياة الجسدية؟ أو هو في كل مرة يرجع إلى ما كان عليه قبل الحياة الجسدية كأنه لم يتلبس قط بالأجساد! وماذا تفيد الروح من تكرر الحياة إذا كانت تبقى بعد موت كل جسد كما كانت قبل حياتها فيه؟
ولا يقل عن هذه الأسئلة في الإعضال سؤال السائلين: هل الروح والنفس والعقل شيء واحد، أو هي أشياء مختلفات؟ وهل هي فردية، أو عامة في جميع الأحياء العاقلة؟
فمنهم من يقول: إن العقل والروح والجسد كلها هي قوام العنصر المجرد في الإنسان، وإن ما عداها عنصر جسدي قابل للانحلال.
ومنهم من يقول: إن العقل وحده هو العنصر المجرد، وإن النفس درجات والروح في أعلى هذه الدرجات، ثم تنحدر درجات النفس فتلتقي بالجسد في الحياة الحيوانية، ولا يختلف شأنها في هذه الحالة عن شأن الدم الذي تنبعث منه حركة الأعضاء، أو شأن الأبخرة اللطيفة التي تتخلل تلك الأعضاء.
والقائلون بذلك يقولون: إن العقل عام في جميع العقلاء، وإنه غير متوقف على الأفراد؛ لأن أحكامه واحدة في جميع العقول، وقضاياه ثابتة في جميع الأحوال.
Shafi da ba'a sani ba