Falsafar Ingilishi A Cikin Shekaru Dari (Sashi Na Farko)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Nau'ikan
John Stuart Mill (1806-1873)، الذي بلغ عنده المذهب التجريبي الحديث منتهاه، مثلما بلغت التجريبية الكلاسيكية منتهاها عند هيوم قبل ذلك بقرن من الزمان. ويعتقد كثيرون أن مل هو أعظم مفكر إنجليزي في القرن التاسع عشر، ولكن أيا كان الأمر، فمن المؤكد أنه كان أعظم الكتاب الفلسفيين في عصره، ومن الملاحظ أنه، مثل بيكن وهبز وشافنسبري وباركلي
8
وهيوم وبنتام وجيمس مل، ثم سبنسر فيما بعد، لم يشغل أي منصب تعليمي رسمي، ومارس الفلسفة، لا على أنها مجرد بحث علمي أو ثقافي، أو لصالح حلقة صغيرة من التلاميذ والمتخصصين، بل بوصفها رسالة روحية ينبغي أداؤها استجابة لنداء باطن، والجهر بها على الملأ أجمعين، ولقد كان أعظم ناطق بلسان الفلسفة في عصره، كما أصبح واحدا في سلسلة القوى الأدبية الخلاقة الهائلة التي مارست تأثيرها مثله على الوجه الروحي للحياة في إنجلترا في القرن التاسع عشر، وإلى مل يرجع الفضل، أكثر مما يرجع إلى أي من السابقين عليه مباشرة، في تجاوز الفلسفة لنطاقها الضيق السابق، واتساع نطاقها بحيث أصبحت تنتمي إلى مجال الأدب العام؛ وبذلك أصبح قراؤها هم كل الصفوة المثقفة في الأمة، وبفضله أصبح للفلسفة منبر واسع عريض تعلن به عن نفسها، وتبعث فيه قواها، كما اكتسبت بدورها قوة بفضل تأثيرات الحياة الثقافية التي أصبحت الفلسفة محاطة بها.
ويمثل مل - في تطور الفلسفة الإنجليزية - آخر مركب ضخم عرض به المذهب التجريبي؛ فجميع الأفكار الرئيسية في المذهب التجريبي تتجمع لديه في وحدة متسقة إلى أبعد حد، ويحدث ذلك، لا على شكل مذهب متناسق منظم بدقة، كما هي الحال عند سبنسر فيما بعد، وإنما بذلك الأسلوب المتحرر الذي يحتل أكبر عدد من مجالات التجربة، لكي يتغلغل فيها بالتفكير الفلسفي، لا لكي يدرجها في وحدة شاملة أو ليحشرها قسرا في مذهب مشيد هندسيا. والواقع أن الطريقة الأولى لا الثانية هي الأسلوب الصحيح للتفلسف التجريبي، الذي لا يمكنه - بحكم إخلاصه للتجربة في كل إمكانياتها المتعددة - أن يستسلم مباشرة لفكرة بسيطة، أو يقنع بالتنظيم الصارم في مذهب؛ فالتفكير المذهبي - من ذلك النوع الذي احتل فيما بعد مكانة كبيرة لدى سبنسر - عنصر غريب يصعب التوفيق بينه وبين مبادئ المذهب التجريبي، ولما كان مل قد اعتنق هذه المبادئ خالصة، ففي وسعنا أن ننظر إليه، لا إلى سبنسر، على أنه آخر ممثل أصيل للتراث الإنجليزي العظيم.
ولقد تغلغل هذا التراث في دمائه منذ نعومة أظفاره؛ فقد خضع تعليمه لأفكار أبيه ولإشراف هذا الأب وحده، دون مدرسة أو جامعة، وذلك وفقا لروح فلسفة بنتام وطبقا لمبادئه تماما، وقد وصف هو ذاته هذه التجربة غير العادية وصفا حيا في ترجمته الذاتية لحياته
Autobiography (1873)، ويكاد يكون في حكم المعجزات أن هذه التجربة لم تدمره، وهكذا قبل عن طيب خاطر وبإيمان كامل تلك التعاليم التي لقن إياها بإكراه خارجي. وعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره، كان قد أصبح مؤمنا بمذهب المنفعة إيمانا كاملا مصقولا، كما كان متشربا تماما بجميع تعاليم المدرسة، وملما بكل ما يمكن تصوره من أنواع المعارف، ولقد بلغ من استحواذ المذهب عليه أنه أنشأ مع مجموعة من أصحاب الاتجاه نفسه - وهو لم يزل في السادسة عشرة من عمره - جمعية فلسفية أسماها «جمعية مذهب المنفعة»، وكان هذا التعبير - وليس تطبيقاته القديمة المتفرقة - هو الذي أشاع هذا اللفظ على الألسن بالتدريج، وهكذا أصبحت كلمة صاحب المذهب المنفعي أو «النفعي» التي نقشها مل بطريقة صبيانية على رايته، تعني بالنسبة إليه رمزا لكل ما اكتسبه من الفلسفة عن أبيه، أي أفكار بنتام ومدرسته.
وعندما بلغ مل العشرين من عمره، انتابته أزمة روحية عنيفة، ينبغي أن نلم بها هاهنا؛ إذ إنها قد تحكمت في حياته التالية بأسرها، وأطلقت لأول مرة ما كان حتى ذلك الحين حبيسا بفعل تعليمه المصطنع، أعني طبيعته الباطنة ذاتها، فلم تكن هذه الأزمة - ولا سيما فيما جلبته بعد ذلك من نتائج مثمرة - إلا رد فعل على ضيق الأفق والجمود الذي كانت تتسم به الآراء التي حبسه تعليمه بين جدرانها، ولقد سبق له أن أظهر نوعا من الثورة على نظرية السعادة في الأخلاق ، وعلى الأخلاق الحتمية وطغيان العقل، فأصبح يدرك - لأول مرة - الأهمية القصوى للفن والشعر بوصفهما مؤثرين ثقافيين، واعترف لأول مرة بالحاجة إلى تنمية العواطف والخيال في التعليم، بالإضافة إلى ملكة الفهم النظرية الخالصة، وبقيمة التهذيب الباطن للنفس الفردية إلى جانب التنظيم المجرد للظروف الخارجية، ولقد تكشف له العالم الجديد، الذي أصبح الآن محيطا به من كل جانب، والذي مكنه من اجتياز صدمته الروحية العميقة؛ تكشف له هذا العالم لأول مرة بفضل استغراقه في شعر وردزورث
Wordsworth .
ثم أتته فيما بعد معونات عديدة من مصادر أخرى، أولها اهتمامه الكبير بعبقرية جوته
Goethe ، ثم تعرفه إلى الشاعر والمفكر الرومانتيكي العظيم كولريدج
Shafi da ba'a sani ba