Falsafar Ingilishi A Cikin Shekaru Dari (Sashi Na Farko)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Nau'ikan
وأفضل ما يوصف به موقفه الجديد هو أنه مذهب ألوهي أخلاقي
ethical theism ، فالأخلاق تستمد أساسها النهائي من الدين، والتفكير فيها يتم من خلال المقولات الدينية. وهكذا فإن التلميحات المتفرقة التي انتهى بها الكتاب الأول، تعرض هنا على نحو مذهبي، وتكون الموضوع الرئيسي للبحث الجديد بأكمله. وهو هنا يخلص الأخلاق من نزعة الشك، ويسير بها إلى بر الأمان بفضل طوق النجاة الذي يقدمه اللاهوت. غير أن المرء يشعر بأن اهتمامه الرئيسي قد تحول الآن من الأخلاق إلى مذهب الألوهية، وعلى أية حال فإن الهدف الذي يوجه مناقشته المطولة إلى تحقيقه هو إيجاد برهان أخلاقي جديد، مبني على أساس عريض، على وجود الله. ويظهر التغير الذي طرأ على آراء تيلور في طبيعة الأخلاق، يظهر أوضح ما يكون في تغيير موضوع هجومه، فقد كانت معارضته في الكتاب الأول موجهة أساسا إلى جميع محاولات صبغ الأخلاق بصبغة ميتافيزيقية، وربطها بأية مبادئ أولية ذات طابع ميتافيزيقي. أما الآن فهو يتحول عن طيب خاطر إلى معسكر الأعداء؛ إذ إن بناء الأخلاق على أساس مذهب في الألوهية هو ربط لها بالميتافيزيقا، فموضوع هجومه الآن - وهو الموضوع الذي لا يكف تيلور عن تأكيده - هو النزعة الدنيوية
secularism ، أي نفس عملية قصر الأخلاق على المجال الإنساني المحض، وهي العملية التي لم يكن كتابه الأول إلا محاولة لتنفيذها.
وهكذا فإن جميع حججه أصبحت تدور الآن حول محور الفكرة القائلة: إن الحياة الأخلاقية، مهما كان من ارتباط مجراها بالزمان، ومن تقيدها بظروف العالم الحالي، لا تكتسب معناها الحقيقي إلا عندما تولي وجهها شطر الأزلية وتسترشد في كل نقطة بالإيمان بالله، فهي مغامرة تبدأ بالعالم الطبيعي وتنتهي بالعالم فوق الطبيعي. ولا شك في أن هذه الأخلاق - بالنسبة إلى الدين - غير مستقلة ، وإنما هي معتمدة عليه، ولكن تيلور يؤكد استقلالها بالنسبة إلى الطبيعة. ونستطيع أن نضرب لهذا مثلا إيضاحيا بمناقشته لفكرة الذنب، فالشعور الذي نحس به عندما ندرك أن هناك شرا ارتكبناه، يختلف عن أي شيء نجده في المجال دون الإنساني إلى حد أنه يجوز لنا أن نعده شعورا لا نظير له، يختص به الإنسان وحده. على أن هذا الشعور بالذنب يقترن به أساسا شعور آخر بعدم إمكان محو الذنب، فلا يمكن أن يمحى الذنب بأي جهد أو فعل، ولا يمكن «تعويضه» أو تغطيته بأي عقاب، غير أن إحساسنا بعدم إمكان التكفير عن الذنب إنما هو دليل مباشر على التشابك الكامن بين الزمان والأزلية، الذي هو العلامة المميزة لكل سعي أخلاقي.
وترتبط بهذا تلك الفكرة التي أطلق عليها تيلور اسم «الحافز المنبعث عن الأزلي
The initiative of the eternal »، فكل أخلاق أصيلة تشير إلى ما وراء حالتنا الراهنة؛ إذ تتطلب تجديدا وتحويلا وبعثا مستمرا لشخصيتنا، على أننا لا نستطيع أن نرتفع فوق مستوى عملنا الحالي بجهدنا الخاص وبمثل أعلى خاص بنا فحسب، فالحافز الذي يدفع إلى التجديد لا يمكن أن يأتي من جانب الشخصية المطلوب تجديدها، وإنما يمكن فقط أن يأتي من الاستجابة لحركة تأتي من الخارج، وهذه الحركة لا بد أن يكون مصدرها هو الله. وهكذا فإن الأخلاق تفترض ما يعلو على الطبيعة مقدما، بوصفه بيئتها وقوتها المحركة، وهذا لا يعني بأية حال الاستغناء عن الجهد الشخصي، وإنما يعني فقط أن من واجبنا، في كل أوجه نشاطنا، ألا نظل محصورين في حدود قدراتنا، وإنما أن نتطلع إلى ما ورائنا لكي نقبل الحافز الإلهي الذي هو وحده القادر على الارتفاع بنا إلى ما يعلو علينا، فللذرات الروحية عند تيلور نوافذ، وهذه النوافذ تطل على اللامتناهي.
ويدخل تيلور فكرة الخلود في نطاق «برهانه الأخلاقي» العام، فالخلود يعني تحول الذات الزمانية إلى ذات أزلية، والعملية مستمرة، قوامها في المحل الأول تطهير الذات تماما من حالة خضوعها لتحكم الظروف الزمنية، غير أن هذا ليس تطهيرا يغمر الشخصية الفردية ويغنيها في مطلق لا شخصي (وهنا يتجه تفكير تيلور إلى نظرية الفردية عند بوزانكيت)، وإنما هو تطهير يتركها أغنى مما كانت، فالذات تظل باقية، غير أنها تنتقل من مركزها الأصلي إلى مركز جديد، وكما يقول تيلور، فبقدر ما نتخلى عن ذراتنا، نفنى في شخصيتنا الحقة، ففي المطلق لا تفني الفردية على الإطلاق، بل تحقق أكمل تعبير عنها.
ولكن أليست الأخلاق والحياة الأزلية متعارضتين تماما؟ أيظل للجهد الأخلاقي أي معنى بعد أن نبلغ هدفنا؟ هنا نواجه مرة أخرى تلك الصعوبة الأساسية التي تتمثل في أي مذهب أخلاقي، أعني الازدواج بين ما هو كائن، أي ما هو زائل متغير على الدوام، وما يجب أن يكون، أي ما لا يمكن بلوغه أزلا، وإن يكن يبدو أنه هو ماهية الأخلاقية ذاتها. غير أن الأخلاق لا تختفي عند بلوغ هدفها إلا إذا جعلنا الأخلاق مساوية للصراع ضد الشر، على أن هذا أمر غير مشروع، تماما كجعل العلم مساويا للصراع، ضد الجهل، فمن الممكن أن نتصور مرحلة للحياة الذهنية تنتهي فيها عملية تكوين الشخصية، ومع ذلك يستمر النشاط المنبعث عن الشخصية المتكونة. وحتى «في السماء» يظل هناك مكان للحياة العملية الفعالة، إلى جانب سعادة التأمل الخالص، صحيح أننا لا نعود قادرين على التقدم «نحو» الخير، ولكن سيكون هناك مجال واسع للتقدم «في داخله». ومن الطبيعي أن الحياة الخيرة لن يمكنها عندئذ أن تظل تتخذ شكل صراع إيجابي ضد الشر، وإنما ستستمر بوصفها تحقيقا «للخير» على صور تزداد على الدوام كمالا وتنوعا. فانتهاء الصراع بين الخير والشر وبلوغ الغاية لا يمنع من استمرار بقاء النشاط الأخلاقي، وهذا هو حل التناقض العميق بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون في الأخلاق.
وهكذا فإن تفكير تيلور الأخلاقي يمر بمرحلتين لا صلة بينهما على الإطلاق: الأولى مرحلة واقعية تجريبية ديالكتيكية شكاكة، تفتقر إلى النظام المذهبي، وتعادي أي مذهب ميتافيزيقي، والثانية مرحلة مختلفة تماما، تبني الأخلاق على مذهب ألوهي ميتافيزيقي، وتجعلها خاضعة له تماما. وهذا القول يتضمن في الوقت ذاته وصفا صحيحا لتفكيره الميتافيزيقي المتأخر بدوره، وهو التفكير الذي عرضه أيضا في كتابه «إيمان مفكر أخلاقي». فهو يرمي إلى كشف عدم كفاية كل لاهوت طبيعي صرف، وإلى تبرير الإيمان بوحي فوق الطبيعي. والواقع أن إيمان تيلور الديني قد نما بقدر ما نما تفكيره تماما، فقد كان في البداية واعظا غير متخصص (علمانيا)، ينتمي إلى طائفة «الميثوديست»، ثم انتقل إلى مرحلة عدم اكتراث بالدين، وبعد ذلك ازداد بالتدريج تقاربا من المذهب الأنجليكاني، وها هو ذا أصبح ينتمي إلى جناحه المتطرف المسمى بجناح «الكنيسة العليا
High Church »،
Shafi da ba'a sani ba