Falsafar Nau'o'i da Matsaloli
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Nau'ikan
أو الوظيفي للذهن. هذه النظرية تقول إن الذهن لا ينبغي أن يوصف إلا من خلال ما يفعله - أي كيف يؤدي عمله - وتذهب إلى أن أية محاولة للنفاذ من وراء العمليات الذهنية إلى كشف طبيعة «الذهن في ذاته» ينبغي التخلي عنها على أنها عقيمة غير ضرورية.
وقد حللنا في النصف الأخير من الفصل مختلف حلول مشكلة الذهن والجسم. فعرضنا أولا رأي الموقف الطبيعي، وهو فكرة التأثير المتبادل، التي تبشرنا بالكثير، ولكنها تثير أمامنا بالفعل مشكلات جديدة تبلغ من الكثرة حدا جعل الكثير من المفكرين يرفضونها. وأوضحنا الجهد اليائس الذي يبذله «مذهب التوازي» لتجنب المشكلات المتصلة بأية نظرية في التأثير المتبادل، كما بينا الأسباب القوية التي دعت إلى انتشار رفض هذا المذهب. وبحثنا بعد ذلك نظرية «الظاهرة الثانوية» (التي كانت مفضلة لدى علماء القرن التاسع عشر وفلاسفته الماديين)، وهي النظرية التي تضفي على الذهن وجودا حقيقيا، ولكنه وجود ثانوي فحسب، على حين أنها تنكر عليه الفاعلية السببية أو الدلالة الكونية.
وتلا ذلك عرض سريع لمحاولتي نظرية «الوجهين» ونظرية «شمول النفس» في حل هذه المشكلة، إذ إن النواقص الواضحة لهاتين النظريتين جعلت من غير الضروري تخصيص وقت طويل لهما. وأخيرا انتقلنا إلى النظرية الانبثاقية في الذهن، وهي النظرية التي تبدو اليوم أفضل إجابة ممكنة على مشكلة الذهن والجسم القديمة العهد. وقد أشرنا إلى تفضيل العلماء المعاصرين لها في الوقت الراهن. ولكنا لاحظنا أيضا أنها لا ترضي أفرادا كثيرين في مجال الفلسفة؛ إذ إنها لا تنبئنا إلا بطريقة ظهور الذهن، ولا تقول إلا القليل عن طبيعته أو عن مكانته في النظام العام للأشياء.
وأغلب الظن أن كثيرا من القراء سيخيب أملهم لنتائج العرض الذي قدمناه للذهن، ما دام من الواضح أنه لا توجد وجهة نظر واضحة المعالم، أو رأي للأغلبية، يستطيع الطالب أن يأخذ به بأكمله على أنه رأيه الخاص. بدلا من ذلك نصادف في هذه الحالة، كما في حالة جميع المشكلات الفلسفية الكبرى، مواقف متباينة، يتناقض الكثير منها بعضه مع بعض، ولا يبدو أحدها كافيا تماما. على أن هذه نتيجة لا مفر منها، ولا سيما في كتاب من هذا النوع، يهدف إلى أن يقدم للقارئ أنواع الفلسفة ومشكلاتها، لا إلى أن يفرض عليه أي نمط معين أو أية مجموعة جاهزة من الإجابات. فما يهمنا قبل كل شيء هو أن نزود الطلاب حديثي العهد بالفلسفة بالمواد الخام التي يبنون منها نظرتهم الخاصة إلى العالم؛ إذ إن أي موقف فلسفي إذا حكمنا عليه حكما نهائيا فلن تكون له قيمة إلا بقدر ما يكون موقفا خاصا بنا.
الفصل السابع
الحقيقة: مشكلة بيلاطس - ومشكلتنا
من أكثر اللحظات درامية - ومن أقربها قطعا إلى الفلسفة - في قصة المسيح في العهد الجديد، تلك التي اقتيد فيها المسيح أمام بيلاطس، الحاكم الروماني لجوديا، لكي يحقق معه. ففي خلال المحادثة التي دارت بين المحقق وبين المتهم، يقول بيلاطس: «أملك أنت إذن؟» فيكون الرد هو تلك العبارة المشهورة: «إنما كانت الغاية التي من أجلها ولدت، والغرض الذي من أجله أتيت إلى العالم، هو أن أكون على الحقيقة شاهدا. وإن كل من كان من أهل الحقيقة ليصغي إلى ما أقول». أما رد بيلاطس فكان أشهر حتى من ذلك. فقد تساءل: «ما الحقيقة»، وبذلك كشف عن موقف فلسفي معين ما زال إلى اليوم قائما كما كان منذ عشرين قرنا - بل ربما كان اليوم أكثر شيوعا مما كان من قبل.
على أن هذا ليس معناه أن المحقق الروماني قد أدرك كل النتائج الضمنية التي ينطوي عليها سؤاله الشامل. كما أن من غير المحتمل أن يكون قد تنبأ بأنه سيحقق لنفسه خلودا مريبا في تاريخ الفكر البشري بتساؤله هذا السؤال. ومع ذلك فقد كشف عن نوع من نزعة الشك العنيدة، التي حظيت باحترام الفلاسفة المحدثين. وإذا كان من الصعب على من تشبعوا بالتعاليم المسيحية أن ينظروا إلى بيلاطس دون تحامل. فمن الواجب أن نتذكر أن عصره كان عصر غليان اجتماعي. فقد كان في فلسطين في ذلك الوقت كثير من المصلحين والتقدميين والأنبياء، كلهم ينادون «بالحقيقة». فليس من المستغرب إذن أنه قد سئم تكرار اللفظ بكل هذه السهولة وعدم الاكتراث؛ إذ إنه قد شعر بأنه ليس كل شاهد على الحقيقة يستطيع أن يروي نفس القصة، وكان من الطبيعي أن يتساءل عما تكونه الحقيقة بالضبط. وقد يشعر المسيحيون بأنه كان أعمى إذ لم يستطع أن يرى الحقيقة عندما ظهرت له في شخص المسيح، غير أن موقفه الساخر كان هو الموقف الطبيعي لرجل في مثل مركزه.
كذلك فإن هذا هو الموقف الطبيعي لأي شخص في مركز الفيلسوف المحترف؛ إذ إنه بدوره قد صادف أنصارا عديدين لمذاهب متعددة، كلهم يدعون أن لديهم «الحقيقة»، وكلهم تقريبا يدهشون حين يجدون أي شخص يتحدى ادعاءهم بسؤال بيلاطس الملح. ذلك لأن قرارات الفيلسوف قد أوصلته إلى فهم كثير من المذاهب، التي تدعي كلها أنها مبنية على «الحقيقة»، بل إن القليل منها هو الذي يتواضع فيعترف بأنه قد لا تكون هناك إلا حقيقة جزئية فحسب. فالفيلسوف إذن قد وصل إلى نقطة يكون له فيها كل الحق في أن يتساءل: «ما الحقيقة؟» ولكن من المؤسف أن موقف بيلاطس وموقف الفيلسوف ينبغي أن يفترقا عند هذه النقطة: فليس في وسع الفيلسوف أن يستبعد المشكلة بهزة من كتفه، أو بتسليم من هم شهود على الحقيقة إلى أعدائهم ليعدموهم، وإنما ينبغي له مواجهة السؤال الملح، وبذل كل جهد لحله.
تعقد المشكلة : تعد مشكلة الحقيقة من أعقد المشكلات التي يتعين على الفلسفة بحثها. ذلك لأنه ليست هناك كثرة من «الحقائق» فحسب، بل إن الناس نادرا ما يعنون نفس الشيء عندما يصفون عبارة بأنها «حقيقة». وإن تحليلا بسيطا لكفيل بأن يبين لنا أن كثيرا من تلك الحجج التي تنتهي بصياح أحد الفريقين أو كليهما: «كذاب!» إنما تصل إلى هذه النهاية المؤسفة، لا بسبب تزييف متعمد أو حتى خطأ غير مقصود، بل لأن الخلاف الأساسي يكمن في أن أحد الفريقين يستخدم نظرية أو معيارا معينا للحقيقة، في حين يرتكز الآخر على مفهوم مختلف كل الاختلاف. فلا غرو إذن ألا يشاهد كل من المتنازعين خصمه وجها لوجه، بل إنهما لا يتكلمان لغة واحدة، حتى وإن كانا يستخدمان نفس الألفاظ. ذلك لأن المعاني، لا الأصوات، هي التي تكون ماهية اللغة - وهو أمر لا نكاد نكون بحاجة إلى التنبيه إليه. فإذا قلت «حقيقي» وكان في ذهني معنى معين، وقلت أنت نفس اللفظ وكان في ذهنك معنى آخر، لكان في مواصلة الحديث مضيعة للوقت - ما لم نتمكن بالطبع من التوقف وتحليل خلافاتنا من أجل كشف أساس معقول للتفاهم يتيح مواصلة الحديث.
Shafi da ba'a sani ba