Falsafar Nau'o'i da Matsaloli
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Nau'ikan
وينبغي أن نذكر أن المذهب الطبيعي في الفلسفة يبدي مثل هذا الاهتمام بالعلم. ولا شك أن هذا الاهتمام المشترك يكشف عن الصلة الوثيقة بين النزعة الإنسانية والمذهب الطبيعي. بل إن هذه النقطة بعينها هي التي تندمج فيها المدرستان: «فالمنهج العلمي» (وعبادة هذا المنهج) هو المدخل المفتوح على مصراعيه دائما، الذي يستطيع الطبيعيون والإنسانيون من خلاله أن يتبادلوا الاتصال، بل أن ينتقلوا بسهولة من مدرسة إلى أخرى. والواقع أن سهولة الانتقال بين الموقفين في هذا الاتجاه وذاك، دون اشتراط جوازات سفر، تسهم بدور كبير في دعم الفكرة الشائعة، القائلة إن النزعة الإنسانية ما هي إلا «مذهب طبيعي تطبيقي».
على أن أنصار المذهب الطبيعي يفضلون أن يحكم على نظرتهم العقلية إلى العالم بمعزل عن أية تطبيقات لها صلة بالنزعة الإنسانية، لا سيما وأن أصحاب النزعة الإنسانية لا يقومون جميعا بهذه التطبيقات بطريقة واحدة، بل إننا نجد عادة أن حرص الإنسانيين على ادعاء الارتباط بالمذهب الطبيعي أعظم من حرص الطبيعيين على الارتباط بالنزعة الإنسانية؛ ذلك لأن الطبيعيين يجدون الإنسانيين في بعض الأحيان سذجا أو حالمين. كما أن الطبيعيين قد أبدوا في بعض الأحيان سخطهم على ادعاءات الإنسانيين بأن المذهب الطبيعي ينطوي ضمنا على برنامج اجتماعي معين، أو يؤيد حزبا سياسيا معينا، أو يستتبع إصلاحات اقتصادية محددة. ولكن الذي حدث على وجه الموم هو أن المدرستين قد تفاهمتا إلى حد يدعو إلى الدهشة، رغم أن الاهتمامات الأساسية عند كل منهما متباينة. فاهتمام المذهب الطبيعي يظل نظريا أو عقليا، على حين أن النزعة الإنسانية تركز اهتمامها على الميدان الأخلاقي إلى حد بعيد؛ وبالتالي فهي أساسا عملية لا نظرية.
النزعة الإنسانية، والمذهب الطبيعي، والمثالية : هذه النتائج المتعددة التي تنطوي عليها النزعة الإنسانية توضح الفارق بين نظرة الذهن الصارم ونظرة الذهن الرقيق إلى العالم، بل إنها تؤكد هذا التضاد أكثر مما تؤكده الفوارق المناظرة بين المذهب الطبيعي والمثالية، وهي الفوارق التي أبدينا اهتماما بها في الفصول السابقة. فالمذهب الطبيعي، مثلا، يتوقف عند نظرة شاملة إلى العالم تتميز بأنها مضادة لفكرة العلو على الطبيعة، وهو لا ينتقل بعد ذلك إلى بحث السؤال الشائع بين الناس: «هل يمكننا أن نجعل هذه النظرة إلى العالم مرضية على أي نحو؟» ذلك لأنه يرى هذا السؤال عادة بعيد الصلة عن الموضوع. والأرجح أن يكون رد فعله على نحو يقرب من الآتي: «إن المسألة ليست هي كون وجهة نظري مرضية أم لا، وإنما كونها صحيحة أم لا. فإن كانت صحيحة، فإن على الناس أن يتعلموا كيف يعيشون بها، بغض النظر عن كونها ترضيهم أو تسرهم أو تتملق مشاعرهم.» أما المدارس المعارضة لها، كالمثالية، فهي تأخذ مسألة «الإرضاء» عادة مأخذ الجد الشديد، وحتى حين لا تذكر صراحة أن مطلب الإرضاء هو مطلب من حقنا أن نشترطه في أية نظرة إلى العالم، فإن انتقاداتها لموقف المذهب الطبيعي تدل على أن «الإرضاء» هدف أساسي لموقفهما الخاص. ذلك لأن اعتراضاتها على المادية، والمذهب الطبيعي، واللاأدرية، تتركز عادة فيما تعتقده من أن هذه الآراء «لا تحتمل» أو «منفرة»، أو «كئيبة»، أو «مقبضة»، لا في أي ضعف منطقي قد تكون هذه المذاهب منطوية عليه.
ومع ذلك فإن النزعة الإنسانية تختلف عن الموقف المثالي، وكذلك عن المذهب الطبيعي في عدم اكتراثه يكون وجهة نظره مرضية أم غير مرضية. ذلك لأن صاحب النزعة الإنسانية يرى أن الحياة في عالم غير مكترث ليست فقط كل ما يمكن أن يتاح للإنسان وهو ما تتفق فيه مع المذهب الطبيعي، بل ينتقل إلى القول إن هذه الحياة كافية. «فمن الممكن أن تكون الحياة جميلة - بلا أصل أو دعامة أو مصير ينتمي إلى عالم ما فوق الطبيعة». هذه هي الفكرة الأساسية في النزعة الإنسانية الطبيعية. غير أن صاحب هذه النزعة يدرك أن الحياة لا يمكن أن تكون جميلة إلا إذا حدثت أولا إعادة توجيه أساسية في اتجاهات مجتمعنا بأسره وفي الأسس الأخلاقية التي يرتكز عليها. ومن ثم فإن معظم جهوده العملية تستهدف تحقيق إعادة التوجيه هذه. (5) الوجودية
ينظر الكثيرون إلى الوجودية، وهي من أكثر الحركات إثارة للفكر في السنوات الأخيرة، على أنها مذهب تربطه أواصر قرابة متينة بالنزعة الإنسانية الطبيعية، وإن لم يكن الإنسانيون كلهم، ولا الوجوديون كلهم، سعداء بأواصر القرابة التي تنسب إليهما. ومن المؤكد أن بين الحركتين عناصر مشتركة كثيرة، ولا سيما في نظر نقادهما. ولعله لن يكون من المغالاة أن نصف الوجودية بأنها نزعة إنسانية متطرفة، أو نزعة إنسانية نسير فيها حتى أبعد نتائجها. ومع ذلك فإن تغيرات عميقة تطرأ على طابع الفلسفة في عملية السير هذه؛ ذلك لأن النزعة الإنسانية في أساسها متفائلة في نظرتها إلى الموقف الإنساني ومصير الإنسان، على حين أن الوجودية متشائمة أساسا، لا يسمح فيها إلا لشعاع خافت من الأمل أن يضيء وسط الظلام الذي يغلب عليها.
4
إن الوجودي يتساءل هذا السؤال الأساسي : «بما أن الله غير موجود، فما الذي يترتب على ذلك؟ وما هي نتائجه الكاملة؟» غير أن الأساس الذي ترتكز عليه الوجودية أكثر من مجرد إنكار وجود الله؛ إذ يضاف إلى ذلك إنكار لكل غاية ومنطق وخطة ومعنى في الكون. كما يرى الوجودي أن الحياة البشرية بلا غاية أو معنى. ولنقل - مستخدمين الأوصاف الأثيرة لدى الوجودي - إن الوجودي عارض، لا معقول وكل الكائنات البشرية لا ضرورة لها ولا حكمة من وجودها - ناهيك بأن من الممكن الاستغناء والاستعاضة عنها. غير أن هذه ألفاظ عامة غامضة إلى حد ما، فلنتأمل المعنى الذي ينسبه إليها الوجوديون، وكيف يؤدي إلى الربط بينه وبين النزعة الإنسانية.
عندما يقول صاحب النزعة الإنسانية الطبيعية : «الإنسان مقياس الأشياء جميعا»، فإنه يتحدث عن الإنسان بوصفه نوعا، لا عن الناس بوصفهم أفرادا. وعندما يقول: «إننا وجدنا في عالم غير مكترث»، فإنه يعني أيضا الجنس البشري في عمومه، وهو يضيف إلى ذلك على الفور الفكرة الإيجابية المتفائلة القائلة إن الناس من حيث هم أفراد ليسوا وحدهم، وإنما هم بطبيعتهم كائنات اجتماعية قادرة على المشاركة مع أقرانهم من البشر والتعاون معهم من أجل تحقيق مصالحهم الفردية ومصالح الجنس البشري بأكمله. فصاحب النزعة الإنسانية يرى في وحدة الجنس البشري المنعزلة قوة دينامية يمكن استغلالها في نشر مزيد من الوعي الاجتماعي وروح المساعدة المتبادلة بين الأفراد. وهو على هذا النحو يحول ما يرى معظم الناس أنه جانب مؤسف من جوانب الموقف الإنساني، أعني عزلة الإنسان في الكون، إلى مصدر ممكن للخير البشري.
غير أن الوجودي يرى أن عبارة «الإنسان مقياس الأشياء» (التي هي في نظره عبارة فيها طنطنة وتفاهة) لا تعني قطعا الجنس البشري بأكمله. فمن المبادئ الرئيسية في الوجودية ، القول إن الفرد وحده هو مقياس الأشياء جميعا، ولا سيما كل القيم. فالحياة عملية متصلة من اتخاذ القرارات، وكل قرار هو في آخر الأمر شخصي وفردي. وإن كلا منا ليختار حياته، إن جاز هذا التعبير، بتلك السلسلة التي لا تنقطع من القرارات التي يتخذها يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، بل دقيقة بعد دقيقة. فكل يختار ما يود أن يركز انتباهه عليه، وأن ينفق دخله فيه، وأن يكرس له وقته وجهوده. وما حياة الإنسان إلا مشروع، وكل منا مهندس ذاته وبناؤها.
المسئولية تقع على عاتقنا وحدنا : تؤكد الوجودية أنه لا مهرب من المسئولية الفردية الكاملة. فقد نخدع أنفسنا بالاعتقاد أننا نستطيع تجنب هذه المسئولية التامة عن طريق محاولة إلقاء عبء الاختيار على أكتاف شخص آخر أو نظام آخر؛ إذ أننا قد ننضم إلى كنيسة متسلطة أو حركة سياسية تقتضي إطاعة تامة لأوامرها، ولكن هذا لا يعفينا من المسئولية. فنحن نختار الكنيسة أو الحزب، أو الزعيم أو البطل الذي نتبعه، وهو اختيار مستمر، يقوم في كل لحظة. ففي استطاعتنا دائما أن نترك الكنيسة أو الحزب، أو أن نختار إطاعة سلطة جديدة من نوع ما. وحتى لو كنا قد ولدنا مؤمنين بدين معين، أو في مجتمع معين يشترط الانصياع التام لأوامره، فسوف تظل مسألة البقاء على ولائنا لهذه العقيدة أو المجتمع اختيارا خاصا بنا، يتجدد في كل لحظة. فليس لنا مهرب من المسئولية: ذلك لأن الاختيار هو اختيارنا، وهو اختيارنا وحدنا.
Shafi da ba'a sani ba