Falsafar Nau'o'i da Matsaloli
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Nau'ikan
وهكذا نستطيع أن ندرك، حتى من هذا العرض الموجز للنزعة الإنسانية الطبيعية، أن مهمتها الرئيسية هي أن تستخلص صراحة بعض النتائج الضمنية الموجودة في النظرة العامة للمذهب الطبيعي إلى العالم، كما عرضناها من قبل. ومع ذلك فإن النزعة الإنسانية تعرض بتوسع بعض النتائج الضمنية الأقل وضوحا (وربما الأقل سلبية) للمذهب الطبيعي. ولما كانت هذه النتائج هي التي تضفي على النزعة الإنسانية طابعها المعاصر المميز، فلا بد لنا من بحثها بشيء من التفصيل. (4) المجتمع المثالي عند النزعة الإنسانية
يحسن بنا في هذا الموضع أن نستمع مرة أخرى إلى «لامونت» وهو يقدم عرضا موجزا للنزعة الإنسانية الطبيعية:
إن النزعة الإنسانية هي وجهة النظر القائلة بأن الإنسان لا يحيا إلا حياة واحدة، وأن عليه أن يستغلها بقدر استطاعته في العمل الخلاق وتحصيل السعادة، وأن السعادة البشرية تبرر نفسها بنفسها، ولا تحتاج إلى ضمان أو دعامة من مصادر عالية على الطبيعة، وأن العالي على الطبيعة، الذي يتصور عادة في شكل آلهة سماوية أو جنات مقيمة، ليس موجودا على أية حال، وأن البشر يستطيعون، باستخدام عقولهم الخاصة والتضافر معا بحرية، أن يشيدوا صرحا من السلام والجمال على هذه الأرض.
وصحيح أن أي شعب لم يقترب بعد من بناء المجتمع المثالي. ومع ذلك فإن النزعة الإنسانية تؤكد أن عقل الإنسان وجهوده الخاصة هما أفضل أمل لديه، بل هما أمله الوحيد، وأن رفض الإنسان الاعتراف بهذا الأمر من الأسباب الرئيسية لإخفاقه طوال التاريخ. والواقع أن الناس يشعرون، في عصور الاضطراب والانحلال، كعصرنا الحالي، بأن هناك ما يغريهم على الهرب إلى عالم تعويضي من صنع خيالهم، أو التماس العزاء فيما يعلو على الطبيعة. غير النزعة الإنسانية تقف بكل حزم ضد هذا الاتجاه، الذي يعبر عن الانهزامية ويشجع عليها في الوقت ذاته. ففلسفة النزعة الإنسانية تسعى على الدوام إلى تذكير الناس بأن مقرهم الوحيد هو هذه الحياة الدنيا. فلا جدوى من بحثنا في غيرها عن السعادة وتحقيق الذات؛ إذ ليس ثمة مكان غيرها نقصده. ولا بد لنا نحن البشر من أن نجد مصيرنا وأرضنا الموعودة في عالمنا هذا الذي نعيش فيه، وإلا فلن نجدهما على الإطلاق.
3
النزعة الإنسانية والضوابط الاجتماعية : وثانيا، فإن المجتمع الذي يحيا بالنزعة الإنسانية الطبيعية لا بد أن يضع لأخلاقه أسسا أخرى غير تلك الأسس التي ظلت الأخلاق ترتكز عليها طوال قرون عديدة - وأعني بها «إرادة الله» و«الأوامر الإلهية». ولا جدال في أن هذا سيكون تحولا جذريا؛ لأن هناك اعتقادا شائعا على أوسع نطاق، حتى بين اللاأدريين والملحدين، بأن الإيمان بالله ضروري لمعظم الناس حتى يظلوا أخلاقيين شاعرين بالمسئولية الاجتماعية. هذا الإيمان تعبر عنه الكلمة المشهورة التي اقتبسناها من قبل: «لو لم يكن الله موجودا لكان من الضروري اختراعه»، كما تعبر عنه الملاحظة التي أبداها إيرل «شافتسبري
Shaftesbury »، والتي اكتسبت شهرة بعد استعمال دزرائيلي وغيره لها: «لكل العقلاء من الناس نفس العقيدة (أي الشك أو الإلحاد)، غير أن العقلاء لا يصرحون بذلك أبدا». ونتائج هذه العبارات واضحة كل الوضوح: «فلا بأس من أن أعيش أنا وغيري من المثقفين بدون معتقدات دينية؛ لأننا أناس أذكياء لدينا إرادة خيرة، لا نحتاج إلى وعد بالجنة أو وعيد بالنار لكي نكون فضلاء. غير أن رجل الشارع أشبه بالدابة الساذجة التي ينبغي توجيهها لخيرها الخاص، عن طريق تقديم مثل هذه الإغراءات لها أو تهديدها بهذا العذاب. إننا نحن الصفوة نستطيع أن نعيش دون جزاءات خارقة للطبيعة، ولكن الفطنة تحتم علينا الاحتفاظ بها كيما نستطيع أن نضمن حسن سلوك أغلبية البشر.»
على أن المجتمع المبني على أساس النزعة الإنسانية يرفض هذا المعيار العقلي المزدوج، ويشجع بدلا من ذلك جميع أفراده على أن يعيشوا بمعيار واحد، هو معيار تقدم الإنسان في هذا العالم الراهن. فأخلاق النزعة الإنسانية تبني قيمها بأسرها على طبيعة الإنسان ومنطق العلاقات الإنسانية. والجزاءات الوحيدة فيها اجتماعية وقانونية؛ أي إن المقاطعة الاجتماعية والعقوبات القانونية هي الأدوات الوحيدة التي تستخدم لحفظ النظام. غير أن الإنسانيين يعتقدون أن من الممكن تحقيق التعاون الودي بين كل أفراد المجتمع بتعليمهم كيف أن مصلحتهم الشخصية ترتبط ارتباطا لا ينفصم بتطبيق هذه القوانين الاجتماعية والتشريعية.
ولقد تبين لي، في تجربتي الخاصة، أن الإنسانيين - حتى أكثرهم تفاؤلا وتحمسا - قلما يستهينون بمثل هذا البرنامج التعليمي. كذلك فإنهم يدركون ضخامة الصعوبات التي ينطوي عليها التحول من مذهبنا الأخلاقي الحالي، المبني على فكرة العلو على الطبيعة، إلى مذهب يتخلص من أية دعامات علوية. ولكن الإنساني يؤمن بأن هذا أمر يمكن تحقيقه، ويرى أن من الواجب تحقيقه إذا ما أراد الناس أن يحيوا بوصفهم أفرادا أحرارا ناضجين. فوضع أسس مثل هذه الثقافة الأخلاقية هدف رئيسي لكل «الثورات» الإنسانية المقترحة، وهذا أمر لا يصعب علينا أن ندرك سببه. فنظرا إلى أن مذهب الألوهية المفارقة المسيحي، في صوره المتعددة، كان أوضح الدعامات الاجتماعية في المجتمع الغربي، فمن المعترف به أن اقتراح نزع هذه الدعامة والاستعاضة عنها بمادة بناء جديدة بدون ملاط، هو تغيير جذري. ويعتقد صاحب النزعة الإنسانية أن لديه مثل هذه المادة الجديدة، التي يطلق عليها أسماء متباينة مثل «التعليم» و«الثقافة الأخلاقية» و«التكييف الاجتماعي» وما إلى ذلك. أما خصوم النزعة الإنسانية فأقل ما يقال عنهم هو أنهم يشكون في هذا الادعاء، وهم يفضلون أن يولوا ثقتهم للدعامة القديمة؛ أعني فكرة العلو على الطبيعة.
النزعة الإنسانية والعلم : والنتيجة الهامة الثالثة التي تنطوي عليها الفلسفة الإنسانية ضمنا أقرب إلى الطابع العقلي منها إلى الطابع الأخلاقي. فإذا كانت في هذا العالم هي كل ما نملك، فإن أهم معارفنا هي معرفة هذا العالم والطريقة التي يسير عليها. ولما كان أفضل المصادر الموثوق بها لهذه المعرفة هو البحث العلمي، فإنه يترتب على ذلك أن العلم يمدنا بأهم المعارف من وجهة النظر الإنسانية. ومن هنا لم يكن من المستغرب أن نجد أصحاب النزعة الإنسانية يبدون للعلم أعظم الاحترام، أو أن نجدهم يدعون إلى التوسع في المنهج العلمي بحيث يمتد إلى كل مجال ممكن من مجالات التجربة. ولعلوم الإنسان (أي العلوم الاجتماعية) أهمية خاصة بالنسبة إلى النزعة الإنسانية, ويؤكد أصحاب هذه النزعة أن من الواجب إنهاض هذه العلوم على أسرع نحو ممكن.
Shafi da ba'a sani ba