Duroos of Sheikh Muhammad Isma'il Al-Muqaddim
دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم
Nau'ikan
أذكار السفر وما يتعلق بذلك
من ذلك أيضًا: أن يحافظ على الأذكار؛ سواء الأذكار الموظفة أو الأذكار المطلقة، فإن هناك أذكارًا قيدت بوظيفة معينة ينبغي على الإنسان أن يحافظ عليها، فيستحب للمسافر عمومًا أن يواظب على نفس الأذكار التي تستحب للمقيم في الليل والنهار، واختلاف الأحوال، كالأكل والشرب، وعند النوم، وعند الاستيقاظ، وعقب الصلاة، وغيرها من الأذكار الموظفة.
أما المسافر فيزيد أذكارًا أخرى منها: أنه يودع حينما يودع من يكونون في وداعه يقول لهم: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)، وفي بعض روايات الحديث: (أستودعكم الله الذي لا تخيب عنده الودائع) ففي الحديث: (إن الله ﷿ إذا استودع شيئًا حفظه) فلا ينسى الإنسان أن يستودع الله أهله وبنيه وكل من يكونون في وداعه بهذا الدعاء كما كان يفعل النبي ﷺ، ويقول المقيم للمسافر: (أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك).
أستودع الله: أي أتركها وديعة عند الله، وهي ثلاثة أشياء: دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك.
المقصود بالأمانة هنا: أهله ومن يخلفه، وماله الذي يتركه عند أمينه، وذكر الدين هنا، فقال: (أستودع الله دينك) أي: أن يحفظ عليك دينك، ويبقى عنده وديعة لا تضيع في السفر؛ لأن السفر مظنة المشقة، فربما كانت هذه المشقة سببًا لإهمال بعض أمور الدين والتفريط فيها، فلذلك خص هذا الأمر قبل كل شيء.
قوله: (وخواتيم) جمع خاتمة، وهي: ما يختم به العمل، أي: يكون آخره، ودعا له بذلك لأن الأعمال بخواتيمها، كما قال ﷺ: (إنما الأعمال بالخواتيم) فلذلك اهتم بهذه الثلاث: دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك.
وحينما يبعد الإنسان ولا يكون تحت رقابة القوم الذين يعرفونه ويعرفهم، ربما كان الشيطان عليه أقوى، فلذلك سمي السفر سفرًا؛ لأنه يسفر عن حقيقة أخلاق الشخص وطباعه، فيحتاج إلى توفيق من الله وعصمة؛ حتى لا يتردى مهاوي المخالفات.
أيضًا يقول المودع للمسافر بعد أن يقول: أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك؛ يقول له أيضًا: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت، وقد قال رجل للنبي ﷺ وهو مسافر: (زودني، فقال: زودك الله التقوى.
قال: زدني.
قال: وغفر ذنبك.
قال: زدني.
قال: ويسر لك الخير حيثما كنت) ثم يقول المودع للمسافر: (عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف).
الشرف: هو ما علا من الأرض، فهذه أيضًا كانت وصية النبي ﷺ للمسافر.
وإذا كان سفر حج أو عمرة يقول له المقيم: ادع الله لنا بخير، فإذا ولى المسافر وانطلق دعا له المقيم قائلًا: اللهم اطوله البعد، وهون عليه السفر؛ لأن السفر قطعة من العذاب كما قال ﷺ.
فإذا أراد ركوب دابته، أي: إذا أراد المسافر أن يركب المركوب فوضع رجله في الركاب يقول: باسم الله.
وإذا كانت سفينة قال: كما قال نوح ﵇: ﴿بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هود:٤١] أي: أن مجراها باسم الله ومرساها، وهو منتهى سيرها كذلك.
وأيضًا يدعو كما دعا نوح ﵇ لما ركب الفلك: ﴿رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ﴾ [المؤمنون:٢٩].
فإذا استوى واستقر على ظهر ما يركبه يقول: ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف:١٣ - ١٤] (مقرنين) أي: مطيقين أو مقتدرين عليه، فنحن ما كنا نطيق قهر هذه الدابة واستعمالها لولا تسخير الله تعالى إياها لنا.
الإنسان إذا ركب جملًا فقوة الجمل لا تخفى، وإذا غضب الجمل وطاش كانت شدته وصعوبته عظيمة، فمن الذي ذلل الجمل بحيث يقوده طفل صغير؟ إن الذي ذلله هو الله ﵎، فنحمد الله على هذه النعمة، خاصة إذا كانت هناك نعم أعظم وأعظم، كركوب الطائرات أو السيارات أو ما إلى ذلك من الوسائل الحديثة التي وفرت الراحة، وهي من نعم الله ﵎ علينا، فنشكر الله على هذه النعمة وهذا التيسير! فيقول: الحمد لله، ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف:١٣ - ١٤]، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
النبي ﷺ لما علمهم هذا الدعاء ضحك بعدما قال: (سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فقال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁: يا رسول الله! من أي شيء ضحكت؟ فقال: إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري).
ويقول أيضًا: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا بنصحك واقلبنا بذمة، اللهم اطو لنا الأرض، وهون علنيا السفر) الذمة: العهد، والذمام العهد والأمان، اللهم اقلبنا: أي: أرجعنا إلى أهلنا (بذمة) أي: بعهد وأمان وضمان منك أن نعود آمنين سالمين.
ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)، وعثاء السفر: شدته ومشقته وتعبه.
(وكآبة المنظر) الكآبة: هي الحزن والتغير والانكسار من مشقة السفر، وما يحصل على المسافر من الاهتمام بأموره.
(وسوء المنقلب) سوء الانقلاب إلى أهله بعد السفر، وذلك بأن يرجع مهمومًا أو منقوصًا ومهمومًا بما يسوءه، فيتعوذ الإنسان من سوء المنقلب.
ويقول أيضًا: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال) الحور: هو النقصان والرجوع، والكور أو الكون المقصود به: الرجوع من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أي: الرجوع من شيء إلى شيء من الشر، أو الرجوع من الاستقامة والزيادة إلى الاعوجاج والنقص، فهذا معنى الكون في قوله: (أعوذ بك من الحور بعد الكون)، ومن رواه بالراء (أعوذ بك من الحور بعد الكور) فالمقصود به هنا: الزيادة، مأخوذ من تكوير العمامة، فكلما كورها زادت، والمقصود التعوذ من الانتقاص بعد الزيادة والاستكمال، ورواية الكون معناها مأخوذ من الاستقرار والثبات، فالمراد التعوذ من النقصان والتغيير بعد الثبات والاستقرار حتى لا يتحول قلبه وينقص في دينه.
وإذا علا الثنايا كبر، وإذا هبط سبح: أي: إذا ارتفع فوق جبل يكبر، وإذا هبط في الوديان يسبح، فأولى إذا ركب الطيارة أن يكثر من التسبيح، وإذا عثرت دابته، أو تعطلت السيارة أو شيء من هذا يقول: باسم الله.
وإذا نزل منزلًا قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لن يضره شيء، ولما كان لا يجوز وصف أي شيء من كلام الله بالنقصان تعوذ ﷺ بكلمات الله التامة؛ لأنها ليس فيها نقصان ولا عيب كما يكون في كلام الآدميين، وقيل: معنى (التامات) أن ينتفع بها المتعوذ وتحفظه من الآفات.
وإذا أتى عليه السحر وهو الجزء الأخير من الليل قال: (سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا؛ عائذًا بالله من النار) كما كان ﷺ يقول ذلك.
(سمع سامع): المقصود فليشهد الشاهد، أو ليسمع السامع وليشهد على حمد الله ﷾ على نعمه وحسن بلائه.
وقيل معناه: انتشر ذلك وظهر، وسمعه السامعون أن نعم الله علينا قد ذاعت وكثرت وترادفت بحيث علم بها الجميع، فسمعها السامعون، وشهد الشاهدون.
(وحسن بلائه علينا): المقصود بالبلاء: حسن بلاء النعمة، والبلاء: الاختبار والامتحان، فالبلاء بالقول ليتبين به الشكر، والابتلاء بالشر ليظهر الصبر.
(ربنا صاحبنا): أي: احفظنا؛ لأن من صحبه الله لم يضره شيء.
(عائذًا بالله من النار): تحتمل وجهين: أحدهما أن يريد: أنا عائذ بالله من النار.
أو يقول: أنا متعوذ بالله من النار.
فعلى المسافر أن يكثر من الدعاء، وهذا من أهم آداب السفر التي يقصر فيها كثير من الناس؛ لأن النبي ﷺ قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده) جعل منهن ﷺ دعوة المسافر، فالمسافر ينبغي أن يكثر من الدعاء؛ لأن دعوة المسافر مستجابة.
وعلى المسافر أن يكون على دراية بأحكام الطهارة والصلاة، وما يحتاج إليه من الرخص أو الفقه الخاص بجمع الصلاة، والمسح على الجورب، وهكذا ما قد يحتاج إليه من الأحكام في سفره.
فهذا فيما يتعلق بآداب السفر.
5 / 5