أسرته ولا تضيع حرمته فإن رأى الأمير أن يسد خلتي ويجبر خصاصتي فعل فقال ابن هبيرة ممن الرجل؟ قال من الذين يقول لهم القائل
(فزارة بيتُ المجدِ والعزِّ فيهم ... فزارةُ قيسٍ حَسبُ قَيس فعالُها)
(لها العزة القعساءُ والشرفُ الذي ... بناهُ لقيسٍ في القديم رجالُها)
(وهل أحدُ إنْ مدَ يومًا بأنفهِ ... إلى الشمسِ في جوَ السماءِ ينالها)
(لهيهات ما أعيا القرونَ التي مَضتْ ... مآثرُ قيسٍ واعتلاها خصالها)
فقال ابن هبيرة إن هذا الأدب حسن مع ما أرى من حداثة سنك فكم أتت لك؟ قال تسع وعشرين فلحن الفتى فتبسم ابن هبيرة كالشامت به وقال ألحن أيضًا مع جميل ما أتى عليه منطقك، شبته بأقبح عيب فأبصر الفتى ما وقع فيه فقال غن الأمير أصلحه الله تعالى عظم في عيني وملأت هيبته صدري فنطق لساني بما لا يعرفه قلبي. فقال له ابن هبيرة: وما على أحدكم أن يتعلم العربية فيقيم بها أوده ويحضر بها سلطانه ويزين بها مشهده ويتبوأ بها على خصمه أو يرضى أحدكم أن يكون لسانه مثل لسان مملوكه وأكاره وقد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم فإن كان سبقك لسانك وإلا فاستعن على إصلاحه ببعض ما أوصلناه إليك ولا يستحي أحدكم من التعلم فإنه لولا هذا اللسان لكان الإنسان كالبهيمة المهملة قاتل الله الشاعر حيث يقول:
(ألم ترَ مفتاحَ الفؤادِ لسانُه ... إذا هو أبدى ما يقولُ من الفمِ)
(وكائنْ تَرَى من صامِت لك مُعجبٍ ... زيادَتُه أو نقصهُ في التكلم)
(لسانُ الفتى نصف ونصفٌ فؤادهُ ... فلم يبقَ إلاّ صورةُ اللحمِ والدَّمِ)
ومن بارع المديح:
(ولي منك موعودٌ طلبتُ نجاحهُ ... وأنتَ امرؤ لا تخلفُ الدهرَ مَوْعِدا)
(وعَوَّدتَني أن لا تزال تُظلني ... يدٌ منك قد قدمتَ من قبلها يدا ...)
1 / 67