106

Nazarin Akan Mazhabobin Adabi Da Zamantakewa

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

Nau'ikan

هذه التكملة عند الغزالي هي «الكشف» أو النور الذي يفيض على قلب الإنسان من الجود الإلهي بالرياضة والاستعداد، وهو شيء لا ينقض العقل في أساسه، بل يتمم للعقل ما هو ناقص فيه ويعينه على ما يؤوده ويعييه.

ويرد على الخاطر هنا سؤال لا ينسى في صدد الكلام عن الغزالي على التخصيص، وهو: كيف اجتهد الغزالي ذلك الاجتهاد العنيف في هدم الفلاسفة وإثبات تهافتهم إذا كان على إيمانه هذا بهداية العقل والتفكير؟ هل فعل ذلك لأنه يبطل الفلسفة ويلغي الأقيسة المنطقية؟ أو هو قد فعله؛ لأنه يرى أن الفلاسفة مخطئون في تطبيق الفلسفة واستعمال القياس؟

الرأي الأول يميل إليه كالرادي فو، والرأي الثاني يميل إليه آسين بلاسيوس.

أما المؤلف الفاضل فهو يفصل بين الرأيين بكلام الغزالي نفسه، وفحواه أن الفلاسفة قد أساؤوا استعمال القياس، فمنعوا ما ليس يمنعه العقل، وأوجبوا ما ليس يوجبه في المسائل الغيبية، و«أن ما شرطوه في صحة مادة القياس في قسم البرهان من المنطق، وما شرطوه في صورته في كتاب القياس، وما وضعوه من الأوضاع في إيساغوجي وقاطيغورياس التي هي من أجزاء المنطق ومقدماته، لم يتمكنوا من الوفاء بشيء منه في علومهم الإلهية».

فليس اللوم إذن على المنطق بل على المناطقة، وليس اللوم على العقل بل على الذين يوجبون به ما ليس بواجب ويمنعون به ما ليس بممنوع.

ونعتقد أن التوفيق قد لازم المؤلف في جميع تقريراته وتمحيصاته ولم يفارقه بعض المفارقة إلا في مقام واحد وهو مقام المقابلة بين الغزالي والفلاسفة والأوروبيين.

مثال ذلك مقابلته بين الغزالي وديكرت حيث يقول: «إنه قد تنبه ستمائة سنة قبل الفيلسوف الفرنسي ديكرت إلى هذا التحديد - تحديد اليقين - ينبغي أن يكون حكما بديهيا لا اختباريا، وبهذا سلم من التناقض الذي وقع فيه ديكرت؛ إذ ظن أنه وضع لليقين تحديدا اختباريا، بينما كان في الواقع قد عرف ماهية اليقين قبل الاختبار، فديكرت ظل ممتنعا عن تحديد اليقين إلى أن عثر على حقيقة يقينية هي: أفكر، إذن أنا موجود، وظن أنه بواسطتها قد أدرك ماهية اليقين واستنبط تحديده، على أنه سها عن باله أنه لا بد كان يعرف ما هو اليقين من قبل حتى عرف أن هذه الحقيقة المعينة هي حقيقة يقينية.»

والإنصاف بين الحكيمين أن معرفة الشك تستلزم معرفة اليقين، سواء ثبت بالاختبار أو ثبت بالبداهة، فلا يقول قائل إن هذا مشكوك فيه إلا إذا عرف ما يطلب وعرف أن اليقين غير مشكوك فيه، ولا يناقض الباحث نفسه إذا وفق بين البداهة والاختبار بمثل من الأمثال.

كذلك أراد المؤلف أن يفرق بين مذهب الغزالي ومذهب دافيد هيوم في إنكار الأسباب، فقال: «أرى من الضروري توضيح فكرة عن موقف الغزالي قد تكون غامضة عند البعض مشوهة عند البعض الآخر من المشتغلين بالفلسفة العربية، فإنه من الشائع عند الكثيرين من هؤلاء أن الغزالي قد نفى مبدأ السببية؛ ولذا نراهم يشبهونه بالفيلسوف الإنجليزي داود هيوم ويفاخرون أهل الغرب بسبق الغزالي ذلك الفيلسوف إلى نفي هذا المبدأ، على أن من تعمق في فهم رأي هذين المفكرين في السببية وجد أن فكرة الواحد تختلف جوهريا عن فكرة الآخر، وإن كان يجمع بينهما وجه من وجوه الشبه العرضية، فإن داود هيوم لا يعتقد بالمبدأ القائل: بأن لكل سبب نتيجة، وهو ينفي كون العلاقة بين السبب والنتيجة علاقة ضرورية ... أما الغزالي فإنه بالعكس يؤمن بضرورة المبدأ القائل: إن لكل سبب نتيجة ... فالله - تعالى - في نظره هو السبب الحقيقي الوحيد لكل حوادث الكون ...»

ونحن لا نرى أن الغزالي أنكر مبدأ السببية، كما ذكرنا ذلك في مقالنا عن الأسباب بينه وبين ابن رشد بمجلة الكتاب، ولكننا نرى أن داود هيوم لم ينكر العلاقة بين المقدمة والنتيجة في الأقيسة المنطقية، وإنما أنكر أن يكون السبب في المشاهدات الاختبارية ثابتا بالبداهة بغير تجربة محسوسة، فعلمنا بالنار لا يلزم منه بالبداهة علمنا أنها تقتل من يحترق بها قبل أن نشاهد ذلك بالتجربة والاختبار، ومعنى ذلك أن السببية المنطقية قائمة لا شك فيها، ولكن اقتران الحوادث شيء وتلازم المقدمة والنتيجة في البداهة العقلية شيء آخر، ولولا ذلك لما أنكر هيوم علاقة السببية في المشاهدات المحسوسة، ثم قال: إنه ينكرها لهذا السبب أو لهذا الدليل ... فإن الذي يقدم لنا سببا لإنكاره لا ينكر مبدأ السببية في أساس التفكير، وعلى هذا لا يقال إن المشابهة بين الغزالي وهيوم عرضية في هذه المسألة؛ إذ هي مشابهة تمتد من العرضيات إلى الجوهر الأصيل.

Shafi da ba'a sani ba