Dirasat Falsafiyya Islami
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Nau'ikan
وهي القضية الاجتماعية بالأصالة التي اجتمعت عليها كل الأحزاب السياسية، والتي من أجلها قامت الثورات العربية الأخيرة، والتي لأجلها ستهتز العروش والتيجان. فنحن أمة يضرب بها المثل بأقصى درجات الغنى وبأشد درجات الفقر، بالبطون المنتفخة وبالأفواه الجائعة، بالقصور المزخرفة وبالأكواخ الصفيح، وننتسب إلى أمة واحدة، ونعتنق دينا واحدا، ونؤمن بإله واحد. هنا تأتي العقائد الترائية لتقوية العمل السياسي وإعطائه شرعية من التاريخ. فالملكية لله وحده
ولله ملك السموات والأرض [آل عمران: 189]. والإنسان مستخلف فيما بين يديه. له حق الانتفاع، وحق التصرف، وحق الاستثمار، وليس له حق الاكتناز أو الاحتكار أو الاستغلال، ومن حق السلطة الشرعية التدخل بالتأميم والمصادرة في حالة سوء استعمال الثروة. وكل أدوات الإنتاج التي تمس الصالح العام ملكية جماعية لا يجوز وقوعها بين أيدي الأفراد، «الماء والكلأ» قديما والزراعة حديثا، و«النار» قديما والصناعة حديثا، والملح قديما والمعادن حديثا. «الركاز» أي ما في باطن الأرض، ملك للأمة وليس ملكا للأفراد. عرف القدماء الذهب والفضة والحديد والنحاس ... إلخ. وعرفنا نحن النفط. والعمل وحده مصدر القيمة بدليل تحريم الربا الذي يعني أن المال يولد المال بلا جهد أو عرق. ولا يجوز أخذ فائض قيمة من إنتاج عامل، فكل نتاجه له، وللدولة رأس المال. فإذا ظهر فرق في الدخول بين الأغنياء والفقراء فإن فضول الأغنياء ترد إلى الفقراء، والفضول ما زاد عن القوت.
والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم [المعارج: 24-25]، وفي المال حق غير الزكاة. والمجتمع الواحد الذي فيه إنسان واحد جائع تبرأ ذمة الله منه. و«ليس منا من بات شبعان وجاره طاو». وقد صحنا في حركاتنا الإصلاحية الأخيرة: «عجبت لرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج للناس شاهرا سيفه!» أو «عجبت لك أيها الفلاح، تشق الأرض بفأسك، ولا تشق قلب ظالمك!» (الأفغاني). وفرق بين أن نقول ذلك في أدبيات «الاشتراكية والإسلام» دعاية لنظام سياسي، وبين أن نثور الجماهير به، فتدافع عن حقوقها المسلوبة من عقائدها وتراثها. (4) الهوية ضد التغريب
ومما لا شك فيه أن قضية الهوية أو الأصالة تكمن وراء كل مشاكلنا الاجتماعية والسياسية لأنها هي المشكلة الحضارية. وما زلنا منذ فجر نهضتنا العربية الحديثة نطرحها، وندعو لها، وننبه عليها ولم نحلها بعد. وربما كانت معظم تياراتنا الفكرية الحديثة أقرب إلى التغريب منها إلى الأصالة؛ فالإصلاح الديني (الأفغاني) والليبرالية السياسية (الطهطاوي) والعقلانية العلمية (شبلي شميل) كلها ترى الغرب نمطا للتحديث ونموذجا للتقدم، ترى صورتها في مرآة الآخر، مما ولد الحركة السلفية حتى أصبحت وريثة الإصلاح. وقضينا على الليبرالية بأيدينا باسم الثورات العربية الأخيرة، وانتهى العقل والعلم من حياتنا بذيوع مسوح الإيمان والخرافة. ولا يمكن أن يوجد عمل سياسي إبداعي دون أصالة وضد التغريب، وما زالت أحزابنا السياسية حتى الآن، خاصة العلمانية منها، تصوغ القضية السياسية على نحو مغترب، وتجد الحل عند الآخر وليس بتحليل الأنا. هنا تظهر المواقف التراثية التي تضع التقابل صراحة بين الأنا والآخر؛ فالقرآن يحرم موالاة الغير، مصالحتهم أو مسالمتهم أو السلام معهم إذا ما اعتدوا على الديار. كما يحرم التقليد والتبعية للآخر لأنه محو للمسئولية الفردية وبالتالي المساءلة.
2 (5) الوحدة ضد التجزئة
قضية الوحدة، وحدة قطرية، وحدة وطنية، وحدة عربية أو وحدة إسلامية، هي إحدى قضايانا الرئيسية والتي تدخل ضمن برامج كل الأحزاب السياسية. ولكن ظلت القضية متعثرة، لا تتجاوز إعلان البيانات التي لا يتجاوز عمرها أياما ثم تنفض الوحدة أو تكون وحدة علم ونشيد وزعيم ورئيس، أو تظل أماني وأغاني، وأحلاما وأهازيج. والواقع نفسه يدعو إلى التجزيء والتشتت والتبعثر من جراء الخلافات على الحدود، والحروب والحملات الإذاعية، وتضارب المصالح، والصراع على السلطة. في حين أن العقائد التراثية خير ضمان للوحدة على كافة مستوياتها. الوحدة الوطنية في
أشداء على الكفار رحماء بينهم [الفتح: 29] أي الانفتاح على الداخل والجبهة الوطنية المتحدة أمام الأعداء في الخارج،
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك [آل عمران: 159] درس آخر في القيادة وتكوين الجبهة، ووحدة على مستوى الأمة
إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون [الأنبياء: 92]،
أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار [يوسف: 39]. والإسلام أقدر المذاهب والأيديولوجيات على توحيد الشعوب حيث لا عنصرية ولا شعوبية ولا طائفية، وفي الوقت نفسه يعترف بالتقاليد واللغات والأعراف المحلية.
Shafi da ba'a sani ba