242

Nazarin Kan Gabatarwar Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Nau'ikan

ثانيا:

إن رابطة النسب لا تنحصر في نطاق القرابة وحدها؛ لأن الفرد قد ينفصل من نسبه الأصلي، وينضم إلى نسب آخر. إن انتقال الفرد من نسب إلى آخر - أو سقوطه إلى نسب آخر حسب تعبير ابن خلدون - يحدث لأسباب عديدة وبصور شتى، أهمها: (أ) القرابة. (ب) الحلف. (ج) الولاء. (د) الدخالة. «من البين أن بعضا من أهل الأنساب يسقط إلى نسب آخر بقرابة إليهم أو حلف أو ولاء، أو لفرار من قومه بجناية أصابها، فيدعي بنسب هؤلاء، ويعد منهم في ثمراته من النعرة والقود وحمل الديات وسائر الأحوال. وإذا وجدت ثمرات النسب فكأنه وجد؛ لأنه لا معنى لكونه من هؤلاء أو من هؤلاء، إلا جريان أحكامهم وأحوالهم عليه، وكأنه التحم بهم. ثم إنه قد يتناسى النسب الأول بطول الزمن، ويذهب أهل العلم به، فيخفى على الأكثر.» «وما زالت الأنساب تسقط من شعب إلى شعب، ويلتحم قوم بآخرين في الجاهلية والإسلام، والعرب والعجم» (ص130).

ولهذا السبب يوسع ابن خلدون مفهوم «النسب» من معناه الضيق الدارج، ويشمله إلى الحلف والولاء أيضا، حتى إنه لا يتردد في استحداث تعبير «نسب الولاء» قياسا على تعبير «نسب الولادة». (4)

يفهم من ذلك كله أن العصبية في نظر ابن خلدون لا تنحصر بأصحاب النسب الواحد بمعناه الدارج - أو بأصحاب نسب الولادة، حسب تعبيره هو - بل يشمل أصحاب نسب الولاء أيضا.

ولذلك يقول ابن خلدون في عنوان أحد الفصول: «إن العصبية إنما تكون من الالتحام بالنسب أو ما في معناه» (ص128)، كما يصرح في الفصل المذكور بأن «اللحمة الحاصلة من الولاء مثل لحمة النسب، أو قريبا منها» (ص129).

ولا يكتفي ابن خلدون بسرد هذه الآراء - بصورة اختبارية فحسب - بل يسعى إلى تفسيرها وتعليلها بصورة علمية أيضا. «إن النسب أمر وهمي (أي ذهني ومعنوي) لا حقيقة له» (ص129)، «وإن كان طبيعيا» (ص184).

وأما تأثير وحدة النسب في توليد الالتحام، فهو نتيجة طبيعية للصحبة والعشرة التي تنجم عن تلك الوحدة.

فإن «المعنى الذي كان به الالتحام، إنما هو العشرة والمدافعة، وطول الممارسة والصحبة بالمربى والرضاع، وسائر أحوال الموت والحياة» (ص184).

ولهذا السبب نجد أن النسب إذا أصبح مجهولا بين أصحابه، وخرج عن الوضوح، وصار من قبيل العلوم؛ زال تأثيره، وذهبت فائدته من النفس، فلم تتولد منه عصبية ما، «وانتفت النعرة التي تحمل عليها العصبية» (ص129).

وأما بعكس ذلك إذا حصلت ثمرات النسب التي ذكرناها آنفا من أسباب غير سبب القرابة - كالحلف والولاء مثلا - تولد منها عصبية، ونتج عنها نعرة ولحمة، على الرغم من عدم وجود القرابة. (5)

Shafi da ba'a sani ba