Nazarin Kan Gabatarwar Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Nau'ikan
R. Flint ، الذي كان أستاذا في جامعة إدينبرة، فقد نشر المومأ إليه أولا - سنة 1874 - كتابا بعنوان «فلسفة التاريخ في فرنسا وألمانيا»، يعتبر من أمهات الكتب في هذا الموضوع.
يبدأ فلينت فصول كتابه ببحث عن «جان بودن»، ولكنه يقدم على ذلك مقدمة طويلة يستعرض فيها بذور فلسفة التاريخ، مبتدئا من أفلاطون وأرسطو، ومتوسعا في القديس أوغسطين. إن اسم ابن خلدون لم يذكر في هذه المقدمة؛ مما يدل على أن المؤلف لم يكن قد اطلع عليها بعد عندما نشر الكتاب المذكور.
غير أن روبرت فلينت واصل أبحاثه في هذا المضمار بعد نشر الكتاب المذكور أيضا، إنه درس ما نشر عن فلسفة التاريخ في سائر البلاد، وفي الأخير نشر مؤلفا آخر تحت عنوان «تاريخ فلسفة التاريخ»، وذلك بعد مرور عشرين عاما على نشر كتابه الأول.
يظهر من مطالعة مقدمة هذا الكتاب أن المؤلف كان قد اطلع خلال هذه المدة على مقدمة ابن خلدون، وأعجب بها إعجابا شديدا، فكتب عن ابن خلدون ما يلي: «من وجهة علم التاريخ أو فلسفة التاريخ، يتحلى الأدب العربي باسم من ألمع الأسماء، فلا العالم الكلاسيكي في القرون القديمة، ولا العالم المسيحي في القرون الوسطى، يستطيع أن يقدم اسما يضاهي في لمعانه ذلك الاسم.» «إذا نظرنا إلى ابن خلدون (1332م/1406ب.م.) كمؤرخ فقط؛ وجدنا من يتفوق عليه حتى بين كتاب العرب أنفسهم، وأما كواضع نظريات في التاريخ فإنه منقطع النظير في كل زمان ومكان، حتى ظهور «فيكو» بعده بأكثر من ثلاث مائة عام. ليس أفلاطون ولا أرسطو ولا القديس أوغسطين بأنداد له، وأما البقية فلا يستحقون حتى الذكر بجانبه.» «إنه يستحق الإعجاب بما أظهره من روح الابتكار والفراسة والتعمق والإحاطة.» «كان رجلا منقطع النظير بين أهل دينه ومعاصريه في موضوع الفلسفة التاريخية، كما كان «دانتي» في الشعر، و«بايكن» في العلم بين أهل دينهما ومعاصريهما» (فلينت، تاريخ فلسفة التاريخ، ص86).
ولهذا السبب يفرد فلينت في كتابه هذا بحثا خاصا لاستعراض آراء ابن خلدون، فيقول ما يلي: «إن أول كاتب بحث في التاريخ كموضوع علم خاص كان ابن خلدون. أما هل يجب أن يعد أو لا يعد - لهذا السبب - «مؤسس علم التاريخ»، فذلك سؤال قد يثير خلافا في الآراء.» «غير أن كل من يقرأ مقدمته بإخلاص ونزاهة لا يستطيع إلا أن يعترف بأن حق ابن خلدون في ادعاء هذا الشرف - شرف التسمية باسم مؤسس علم التاريخ وفلسفة التاريخ - أقوى وأثبت من حق كل كاتب آخر سبق فيكو» (ص157 من تاريخ فلسفة التاريخ).
إن المؤلف المشار إليه لا يغفل نقائص ابن خلدون وأخطاءه، ولكنه يرجع جميع هذه النقائص والأخطاء إلى سبب رئيسي هام، وهو قلة اطلاعه على تاريخ الغرب وعلى حضارة أوروبا. فيقول لذلك: «لو عرف ابن خلدون العالمين الكلاسيكي والمسيحي، وبحث وعمم فيهما أيضا بعين الاستقلال الفكري ونفوذ النظر؛ لجاءت رسالته من أعظم وأثمن الرسائل في الأدب العالمي. وعلى كل حال، فإن الكتاب الذي تركه لنا له من العظمة والأهمية ما يكفي للاحتفاظ باسمه وشهرته إلى آخر الأجيال» (ص171 من الكتاب المذكور). (6)
يظهر من الفقرات التي نقلناها آنفا أن روبرت فلينت يعتبر ابن خلدون متفوقا تفوقا أكيدا على جميع من كتب في فلسفة التاريخ، ليس قبله فحسب، بل خلال القرون الثلاثة التي تلت وفاته أيضا.
ومما يستلفت النظر في هذا المضمار أن روبرت فلينت لم يكن من المستشرقين الذين يحملون شغفا خاصا بالأمور والمؤلفات الشرقية، بل كان من رجال الدين، وكان قد أظهر نزعته الدينية الشديدة في مواضع عديدة من مؤلفاته.
فإن صدور مثل هذه الكلمات التقديرية من المؤلف المشار إليه بالرغم من نزعته الدينية الشديدة؛ يدل دلالة واضحة على شدة إعجابه بمقدمة ابن خلدون عند اطلاعه عليها، بعد انكبابه على درس جميع المؤلفات التي تحوم حول فلسفة التاريخ، منذ بدء التفكير في العالم القديم، حتى أواخر القرن الأخير.
إن شهادة روبرت فلينت في هذا الصدد تغنينا عن مقارنة مقدمة ابن خلدون بالمؤلفات التي كتبت ونشرت قبل كتاب فيكو.
Shafi da ba'a sani ba