116

Nazarin Kan Gabatarwar Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Nau'ikan

غير أن ذلك لا ينطبق على الحقيقة والواقع بوجه من الوجوه، إن الشيء الذي بقي ثابتا في العربية الفصحى هو القواعد والأسس، لا المعاني والمفردات؛ فإن كثرة المعاني التي تذكر أمام معظم الكلمات في جميع القواميس تكفي للبرهنة على ذلك برهنة قطعية.

ومما يجدر اعتباره أن معاني الكلمات تستدعي مزيد الانتباه، بوجه خاص في المؤلفات العلمية التي تكون على شاكلة مقدمة ابن خلدون، والتي تعبر عن آراء وملاحظات طريفة.

إن قريحة ابن خلدون كانت قريحة خصبة ولودة، أوصلته إلى مجموعة كبيرة جدا من الأفكار والآراء الجديدة، فكان يستحيل عليه أن يعبر عنها جميعها بكلمات مألوفة بمعانيها المعتادة، وكان من الطبيعي أن يضطر إلى استحداث بعض الكلمات للتعبير عن آرائه، أو إلى استعمال بعض الكلمات المألوفة بمعان خاصة تختلف عن معانيها الدارجة بعض الاختلاف.

ومن غريب الاتفاق أن ابن خلدون نفسه كان قد عبر عن هذه الضرورة بكل وضوح عندما كتب في فصل التصوف العبارات التالية: «لهم، آداب مخصوصة بهم، واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم، إذ الأوضاع اللغوية إنما هي للمعاني المتعارفة، فإذا عرض من المعاني ما هو غير متعارف؛ اصطلحنا عن التعبير عنه بلفظ يتيسر فهمه منه» (ص469).

ولذلك نجده تارة يشتق كلمات جديدة من الأصول المعروفة، وطورا يستعمل الكلمات المعروفة بمعان خاصة، وتارة يسعى إلى التعبير عن آرائه بجمع الكلمات وتركيبها. ففهم المعاني التي قصدها ابن خلدون من تلك الكلمات والتراكيب حق الفهم، يتطلب التفكير والبحث بتأمل وتعمق. (2)

نذكر فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

لقد سمى ابن خلدون «العلم الجديد» الذي استنبطه ووضعه باسم «علم العمران». إن من يحاول أن يحدد المعنى الذي قصده ابن خلدون من هذا العلم، مستندا إلى المعنى المفهوم من كلمة «العمران» في الحالة الحاضرة، يبقى بعيدا عن الحقيقة والواقع بعدا كبيرا؛ لأن هذه الكلمة ترتبط في أذهاننا - عادة - بكلمات العمارة، والمعمار، والتعمير، والمعمور، والمعمورة، في حين أن ملاحظة متون المقدمة تبين لنا بوضوح تام أن ابن خلدون استعمل الكلمة المذكورة بمعنى «الاجتماع» بوجه عام؛ ولهذا السبب كثيرا ما قرن تركيب «العمران البشري» بتركيب «الاجتماع الإنساني»، كما أنه حدد المعنى الذي قصده من هذه الكلمة بقوله: «العمران، هو التساكن والتنازل في مصر أو حلة للأنس بالعشير واقتضاء الحاجات» (ص41).

ومما تجب ملاحظته أن ابن خلدون استعمل كلمة «التنازل» الواردة في هذا التعريف مرادفة لكلمة «التساكن، وعنى بها «المشاركة في النزول في حلة واحدة»، ومن المعلوم أن هذا المعنى أيضا يختلف عن المعنى المفهوم من كلمة «التنازل» في الحالة الحاضرة اختلافا كليا.

هذا وقد خصص ابن خلدون فصولا وأبحاثا كثيرة لدرس «العصبية»، وغني عن البيان أن من يسعى إلى فهم معنى هذه الكلمة، بمراجعة معاجم اللغة أو بملاحظة الاستعمالات الحالية، لا يمكن أن يتوصل إلى معرفة قصد المؤلف بوجه من الوجوه.

وكذلك قد استعمل ابن خلدون كلمة «الأبنية» بمعنى الخيام؛ ولذلك كتب بعض العبارات التي تبدو في منتهى الغرابة لكل من يفسر الكلمة المذكورة بمعناها الحالي: «اقتصروا على الظهر الحامل للأثقال والأبنية» (ص274)، «وكانوا يحتفرون الخنادق على معسكرهم إذا نزلوا وضربوا أبنيتهم» (ص275).

Shafi da ba'a sani ba