109

Nazarin Kan Gabatarwar Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Nau'ikan

وعلى كل حال يؤكد ابن خلدون أنه كتب ما كتبه في هذا الصدد من غير أن يستند إلى قول أحد، ومع هذا يقول: «هذا الفن الذي لاح لنا النظر فيه، تجد منه مسائل تجري بالعرض لأهل العلوم في براهين علومهم، وهي من جنس مسائله» (ص39).

ثم يذكر ما جاء من الكلمات المتفرقة عن هذه المسائل في كتابات بعض الحكماء، وبعد ذلك يقول: «وأنت إذا تأملت كلامنا في فصل الدول والملك، وأعطيته حقه من التصفح والتفهم؛ عثرت في أثنائه على تفسير هذه الكلمات، وتفصيل إجمالها مستوفى بينا بأوعب بيان وأوضح دليل وبرهان، أطلعنا الله عليه من غير تعليم أرسطو ولا إفادة موبذان» (ص40).

وبعد أن يذكر ما كتبه ابن المقفع والقاضي أبو بكر الطرطوشي حول هذه المسائل، يقول: «إنما هو نقل وتركيب شبيه بالمواعظ، وكأنه حوم على الغرض ولم يصادفه، ولا تحقق قصده ولا استوفى مسائله.»

وفي الأخير يعود إلى عمله هو: «ونحن ألهمنا الله إلى ذلك إلهاما، وأعثرنا على علم جعلنا سن بكره، وجهينة خبره» (ص40).

ثم يرجع إلى التواضع فيقول: «وإن كنت قد استوفيت مسائله، وميزت عن سائر الصنائع أنحاءه وأنظاره، فتوفيق من الله وهداية، وإن فاتني شيء في إحصائه، واشتبهت بغيره، فللناظر المحقق إصلاحه.»

وبعد ذلك يختم كلامه قائلا: «ولي الفضل لأني نهجت له السبيل، وأوضحت له الطريق، والله يهدي بنوره من يشاء» (ص40).

يعود ابن خلدون إلى ذلك في آخر الكتاب الأول أيضا حيث يقول: «وقد كدنا نخرج عن الغرض؛ ولذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب الأول الذي هو طبيعة العمران وما يعرض فيه، وقد استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاية.» «ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين، يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا، فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله، وإنما عليه تعيين موضع العلم، وتنويع فصوله وما يتكلم فيه، والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئا فشيئا إلى أن يكمل» (ص588). (3)

يظهر من هذه العبارات بكل وضوح أن ابن خلدون كان يدرك إدراكا واضحا بأنه وضع أسس علم جديد، وكان يشعر شعورا تاما بأن هذا العلم سيتوسع فيه من بعده، شأن جميع العلوم التي تبدأ مختصرة ومجملة، ثم تتوسع وتتقدم بالتدريج؛ بسبب التحاق وانضمام المسائل الجديدة إليها شيئا فشيئا. •••

فقد صح ما كان تنبأ به ابن خلدون في هذا المضمار؛ فإن المسائل التي عالجها في مقدمته - وبتعبير أصح في الكتاب الأول من تأليفه - صارت فيما بعد موضع اهتمام المفكرين والعلماء، وكونت علمين هامين:

علم التاريخ، وعلم الاجتماع.

Shafi da ba'a sani ba