Dhu Nurayn Usman Ibn Affan

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
76

Dhu Nurayn Usman Ibn Affan

ذو النورين عثمان بن عفان

Nau'ikan

أم تراه خاف على سلطانه، أو خاف على حياته أو خاف على مصلحة من المصالح الكبرى أو الصغرى تعنيه غير مصلحة الإسلام والمسلمين؟

كلا، فما في شيء من ذلك ما يخيفه، وإنما أعضله من أمر تلك الشكاية مخافة أمر واحد: مخافة الظلم أن يقع منه على شاك له حق في شكاة.

ذلك كل ما أعضل على عمر من شكايات أهل الكوفة، ولو لم يكن حساب نفسه على الظلم أعضل من كل معضلة؛ لما كان في شكايات القوم ما يكربه ويقلق نومه ويغيم على وجهه حتى يلمحه من ينظر إليه من عارفيه.

ولو أن عمر على يقين من افتراء الشاكين؛ لما أهمه أن يسخطهم ويخسر ثناءهم، ولا أعياه أن يؤدبهم ويردهم إلى طاعة وليهم، فإنما الشكاة بالحق هي التي تزعجه وتكربه ويشغله منها أن يبرأ من مظنتها غاية جهدهم، فإن عرف وجه الحق فما يبالي بعده من شكا أو ادعى، ولو زعم أنه يدعى باسم من شاء من الأكثرين أو الأقلين، وعلى هذا جرت سياسته وسياسة أبي بكر، وعلى هذا كان يقضي بين أبي بكر والشاكين منه حيثما سمعت الشكاية من الخليفة الأول، وبخاصة في مسائل الأعطية والأرزاق.

كان رزق أبي بكر الصديق حين استخلف خمسين ومائتي دينار في السنة، وشاة في كل يوم يؤخذ منها بطنها ورأسها وأكارعها؛ فلم يكن يكفيه ذلك ولا عياله، فخرج إلى البقيع يتجر، وجاء عمر فإذا هو بنسوة جلوس فسألهن: ما شأنكن؟ قالت بعضهن: «نريد خليفة رسول الله يقضي بيننا.» فانطلق يطلبه فوجده في السوق، فأخذ بيده وجذبه ليذهب به إلى حيث تنتظره النسوة. قال أبو بكر: «لا حاجة بي إلى إمارتكم. رزقتموني ما لا يكفيني وعيالي.» وسأله عمر عما يكفيه، فقدروه بثلاثمائة دينار في السنة وشاة كل يوم لا يؤخذ منها شيء، وجاء علي وهما على هذه الحالة، فلم ير ضيرا في الزيادة ووافقه عمر بعد مراجعة. قال أبو بكر: «أنتما رجلان من المهاجرين لا أدري أيرضى بقية المهاجرين بما رضيتماه أم لا.» ثم صعد المنبر واجتمع إليه الناس فقال: «أيها الناس، إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ منها بطنها ورأسها وأكارعها، وإن عمر وعليا كملا لي ثلاثمائة دينار والشاة، أفرضيتم؟»

فأجابه المهاجرون: «اللهم نعم، قد رضينا.» وصاح صائح من جانب المسجد؛ فإذا هو أعرابي يقول: «لا والله ما رضينا. فأين حق أهل البادية؟»

ولم يكن عسيرا على عمر ولا على أبي بكر أن يعلما أنها صيحة لا يصغى إليها، فمن التنطع أن يمنع رزق الخليفة الذي أقره ذوو الرأي من المجاهدين في انتظار سؤال البادية من حضرهم منها ومن لم يحضر، وكان جماع قولهم أن المهاجرين إذا ارتضوا شيئا؛ فإنما الغائبون من أهل البادية تبع للحاضرين، ولا يشتكي من ذلك مشتك بالحق كائنا ما كان ادعاؤه وكائنا من كان المدعون على غراره.

فلا حساب للخليفة إذا جاءته الشكاية غير حسابه لضميره وخشيته أن يكون قد ظلم أحدا، أو قمع شاكيا له مظنة صدق في شكايته، وغير ذلك حساب الملك والإمارة، فإنهما بين خوف الفتنة وخوف الضرر على سلطان صاحب سلطان، ويأتي الإنصاف في المرتبة بعد النظام والمصلحة إن كان له حساب.

ولقد شكا من الزكاة أيام الخليفة الأول أكثر أهل الجزيرة العربية، واستدعى قتالهم جهدا أكبر من جهد القتال مع الأكاسرة والقياصرة، فما وقع اليقين في نفس الخليفة أنه على الحق وأن الشاكين على الباطل؛ حتى أقدم على مكاره الحرب الداخلية وأقدم معه سائر المهاجرين والأنصار، ولو تكرر هذا لتكرر علاجه بما يقتضيه في غير مبالاة بكثرة الشاكين وقلة المجاهدين.

المثل الآخر الذي تفترق فيه خطط الخلافة وخطط الملك من جانب الرعية، قبل جانب الرعاة، هو مثل الخلاف بين القائدين سلمان وحبيب في حروب أرمينية. فقد وجد النزاع على الرئاسة ووجد التنافس بين الأتباع، ولكنهما وجدا في موقف جهاد؛ فأوحى الموقف إلى المتنازعين والمتنافسين خير ما يصنعون بغير حاجة إلى مشورة الخليفة، وهذه حادثة من حوادث عهد عثمان الذي اشتبكت فيه معالم الخلافة ومعالم الملك، وغلبت فيه معالم الملك على مطالب المعيشة أيام السلم، بعيدا من حمية الجهاد ومن خطر العدو المتحفز للانتقاض، وقريبا من شهوات الدنيا وبطالة الفراغ.

Shafi da ba'a sani ba