Dhu Nurayn Usman Ibn Affan
ذو النورين عثمان بن عفان
Nau'ikan
كل أولئك وأبو طلحة الأنصاري رئيس الجند ينذرهم ويقسم لهم «بالذي ذهب بنفس عمر» لا يزيدنهم على الأيام الثلاثة، ثم يجلس في بيته فينظر ماذا يصنعون، وينفذ الأمر فيمن خالف وأصر على الخلاف. •••
ولئن كان عمر موفقا في اختيار كل لعمله لقد كان اختياره لأبي طلحة أوفق ما في هذا التوفيق. إنه الرجل الذي آخى النبي عليه السلام بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح أولى الناس في رأي عمر بالخلافة لو عاش، وهو البطل الذي ثبت في وقعة أحد يوم انهزم أشجع الشجعان، ولزم النبي في ذلك اليوم المشهود يقف بينه وبين السهام والسيوف، ويتطاول بصدره ليدفع عنه ضربات المشركين الذين عرفوه وتعمدوه؛ ليصيبوا الدعوة في مقتلها إذا أصابوه، وشهد أبو طلحة وقعة حنين فبارز عشرين خصما وصرعهم وصاح صيحته التي كان عليه السلام يقول: «إنها في الجيش خير من مائة رجل»، ولم يكن يبالي الموت وهو في سعة من دنياه، ولم يعرف غير الجد فيما يعمل أو يقول.
وقد أوفى بأمانته في أيام الشورى، فلم يدعهم حتى فرغوا من عملهم في صبيحة اليوم الثالث، وكان فيه فصل الخطاب.
في تلك الليلة أتى عبد الرحمن بن عوف منزل المسور بن مخرمة، فأيقظه وأرسله يدعو الزبير وسعدا، ثم بدأ بالزبير فقال له: «خل بني عبد مناف وهذا الأمر» قال الزبير: «نصيي لعلي»، ثم قال لسعد: «اجعل نصيبك لي فنحن كلالة» أي: أبناء عم من بعيد، وكلاهما من بني زهرة. فقال سعد: «إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان فعلي أحب لي.» ثم قال: «أيها الرجل بايع لنفسك وأرحنا وارفع رءوسنا»؛ فاعتذر عبد الرحمن لأنه خلع نفسه منها، وأعاد عليه مقالته: أنه لا يقوم مقام أبي بكر وعمر أحد بعدهما ويرضى الناس عنه.
ثم كان علي وعثمان آخر من دعاهم في تلك الليلة: دعا عليا فناجاه طويلا، ثم دعا عثمان فناجاه إلى صلاة الصبح، ويظن أنه سأل كلا منهما عما ينويه إذا ولي الخلافة، وعن وصية عمر بعمال الولايات أن يتركوا في ولاياتهم عاما بعد وفاته، ثم يصنع الخليفة ما بدا له من إقرار أو عزل على حسب أحوالهم وأحوال ولاياتهم، وأنه سأل كلا منهما عن سياسته عامة وخاصة في شئون: الأفياء والأرزاق والأجناد والسرايا والمغازي وسائر ما يتولاه من أمور الخلافة، ولا يقطع أحد بما دار بين عبد الرحمن وبين كل من علي وعثمان على حدة، وأغلب الظن أن الذين ذكروا شيئا من هذا إنما ذكروه مستنبطين، ولم يذكروه نقلا عن عبد الرحمن أو عن علي وعثمان. قال عبد الله بن عمر: من أخبرك أنه يعلم ما كلم به عبد الرحمن بن عوف عليا وعثمان، فقد قال بغير علم.
وحانت صلاة الصبح فصلوا في المسجد، وجمع عبد الرحمن رهط الشورى، وبعث إلى من كان بالمدينة من أهل السابقة والفضل من الأنصار وأمراء الأجناد فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله، وقام عبد الرحمن فقال: «أيها الناس، إن أهل الأمصار قد أحبوا أن يلحقوا بأمصارهم وقد علموا من أميرهم»؛ فصاح به سعيد بن زيد أحد ذوي السابقة الأولى في الجهاد: «إنا نراك أهلا لها.» قال عبد الرحمن: «أشيروا علي بغير هذا.» قال عمار بن ياسر: «إن أردت ألا يختلف المسلمون فبايع عليا.» وقال المقداد بن الأسود: «صدق عمار. إن بايعت عليا، قلنا: سمعنا وأطعنا.» وإذا بعبد الله بن أبي السرح يناديه: «تبايع عثمان فلا تختلف قريش.» ويثني عبد الله بن أبي ربيعة فيقول: «صدق، إن بايعت عثمان قلنا: سمعنا وأطعنا.» فتنابز عمار وابن أبي السرح، واختلط القول بين بني هاشم وبني أمية، فعاد عمار يقول: «أيها الناس، إن الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟» وبادره رجل من آل مخزوم شاتما: «لقد عدوت طورك يا ابن سمية. وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟»
وضاق سعد بن أبي وقاص صدرا بهذه المنابذة وهذا الصخب فصاح بعبد الرحمن: «يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس .»
ولا ندري هل تعمد عبد الرحمن هذا التمهل قبل إعلان البيعة، أو أنه سكت حين اعترضه المعترضون باللجاج والمنابذة، فالغالب من تصرفه في أمر الشورى أنه كان يخطو الخطوة، ثم يتبعها ما بعدها بحساب وأناة، وآخر ما كان من ذلك أنه أرجأ محادثة الاثنين اللذين انحصرت فيهما الأقوال حتى كانا آخر من تحدث إليه، وأنه لما دعاهما دعا عليا ثم ثنى بعثمان.
فإن كان قد تمهل في المسجد على عمد فقد أحسن الروية؛ لأنه سكت حتى أيقن الحاضرون بما رأوه وما سمعوه أن الفتنة موشكة أن تكشر عن نابها إن لم ينته الناس من مبايعة خليفتهم تلك الساعة! هذا يذكر اتفاق قريش، وهذا يشترط، وهذا يقابل شرطه بمثله، وهذا يتكلم عن بني هاشم، وهذا يتكلم عن بني أمية. فلما صاح سعد صيحته بعبد الرحمن: افرغ يا عبد الرحمن قبل أن يفتتن الناس، كان صوته في تلك اللحظة كأنما هو صوت المسجد كله يتكلم بلسان واحد.
وأسرع عبد الرحمن فقال: «إني قد نظرت وشاورت؛ فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا.» ودعا عليا وقال: «عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده.» فقال: «أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي مع اجتهاد رأيي.» ودعا عثمان فقال له كذلك: «عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده.» فقال: «نعم.»
Shafi da ba'a sani ba