وأما الكتابة الرومية المطينية، فأول من اخترع حروف اللسان اللطيني، وأثبتها: كرمنش بن مرسية بن شمس بن مزكية ولم تكن قبله. وذلك، بعد أربعة آلاف وخمسين من مبدأ الخليقة، أخذها من كتابة اليونان واليونان، أخذوا كتابتهم، من أهل صور. وأهل صور إحدى مدائن الشام القديمة اخترعوا الكتابة. وهي التي كانت منشأ للحروف اليونانية. ومن كتابة اليونان، أخذ اللطينيون كتابتهم، التي هي كتابة جميع أهل أوروبا، مع بعض اختلاف . وقد اندرست الكتابة اليونانية. وقل اليونان والروم، من اليسار، إلى اليمين، مرتب على ترتيب حروف أبجد وحروفهم: أبج وزطى كلمن سعفظ قرشت ثخ صغ. فالدال والهاء والحاء والذال والضاد ولا ألف سواقط. والسبب، الذي من أجله يكتبون، من اليسار إلى اليمين أنهم يقولون: إن شأن الجالس، أن يستقبل المشرق، لأنه مطلع النيرات، ومحل ظهور النور. فإذا توجه إلى المشرقي، يكون الشمال على اليسار. فإذا كان كذلك، فاليسار يعطي اليمين القوة وسبب آخر: وهو أن حركة الأعضاء، من استمداد الكبد. والكبد، يستمد من القلب. والقلب، من جهة اليسار. فطريق الكتابة، أن يبتدأ من الجهة، التي منها الاستمداد.
تنبيه الحروف العربية
حروف الكتابة العربية، أكثر من حروف جميع كتابات الأمم. فإنها ثمانية وعشرون حرفا. وهي: أبجد، هوز، حطي كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ. ويعبرون عنها بأبجد. وهي عبارة عن ثمان كلمات مشهورة، مفتتحة بهذه الكلمة، جمع فيها جميع حروف الكتابة العربية، بلا تكرير. وقد جرت العادة، بتعليمها المبتدئين، بعدما علموهم حروف الهجاء، مفرداتها ومركباتها الثنائية، على ترتيب مألوف للطباع، منشط لهم، على أخذه وضبطه. والفائدة في ذلك، هو التنبيه للمبتدئ، بعد تعلمه المفردات والثنائيات، أن في الكلام، تركيبات ثلاثيات ورباعيات، غير منتظمة على نظم مألوف، ليستأنس بوقوع المخالفة بين الحروف، فيسهل عليه الشروع في الكلام المطلق.
وفيه فائدة أخرى. وهي إيناس المبتدئين، بألفاظ مستعملة، في معنى من المعاني، بعدما كانوا يستعملون تركيبات من الحروف مهملة، لا معنى لها. ويؤيد هذا، أن معنى أبجد، أخذ. ومعنى هوز، ركب. ومعنى حطي، وقف علي المقصود. ومعنى كلمن، صار متكلما. ومعنى سعفص، أسرع في التعلم. ومعنى قرشت، أخذه بالقلب، ومعنى ثخذ، حفظ. ومعنى ضظغ، أتم. وتكون كلها، على صفة الماضي، من الثلاثي أو الرباعي. فمعنى المجموع على ترتيبها: أخذ، ركب، وقف على المقصود، صارم متكلما، أسرع في التعلم، أخذه بالقلب، حفظ، أتم. وعلى هذا، يمكن اعتبار فائدة أخرى فيها، وهي تأليف المبتدئين بالمعاني المربوطة، بعضها ببعض، بنوع من الارتباط، ليتفطن المتعلم الذكي - إذا عرفها - إلى أن الأهم له، اللائق به، في حال التعلم، ما يفهم من هذه الكلمات، من: الأخذ، والتركيب، والوقوف على المقصود، وتكرار التكلم، والإسراع في التعلم، والإقبال عليه بالقلب، وحفظه له، والقيام بحق من الإتمام، وغيره.
وأما قول صاحب القاموس: وأبجد إلى قرشت، وكلمن رئيسهم، ملوك مدين. وضعوا الكتابة العربية، على عدد حروف أسمائهم، هلكوا يوم الظلة.. إلى أن قال: ثم وجدوا بعدهم: ثخذ ضظغ، فسموها الروادف!! فهو قول غريب، من صاحب القاموس، بعيد عن الصواب، لا تخفى غرابته، من وجوه كثيرة. وهذه الكلمات الثمانية، فرعوا عليها، من قديم الزمان، الحساب المشهور بالجمل بضم الجيم، وفتح الميم، فإن جميع حروف الهجاء، المجموعة فيها، ثمانية وعشرون حرفا. فجعلوا سبعة وعشرين حرفا منها، لأصول مراتب الأعداد، من الآحاد والعشرات والمئات. وواحدا للألوف، فلم يحتاجوا - معها - إلى ضم شيء آخر إليها أصلا عن تكرارها، كلما احتاج أهل الهند، في أرقام حسابهم، إلى ضم علامة صفر إلى عشراتهم، وصفرين في مئاتهم، وثلاثة في آحاد الآلاف وهكذا. فيحصل المقصود، في جميع المراتب، من نفس هذه الحروف، بالإفراد والتركيب والتقديم والتأخير، كما هو مقرر معروف.
خاتمة التأليف والتصنيف
من الناس، من ينكر التأليف والتصنيف وكتابة العلوم، في هذا الزمن. وهذا الإنكار، خطأ. إذ لا وجه لإنكار التصنيف، إذا صدر من العلماء الكاملين، البالغين، مرتبة التصنيف. وإنما يحمل هذا المنكر على إنكاره، التنافس والحسد، الجاري بين كل متعاصرين. ولله در من قال:
قل لمن لا يرى للمعاصر شيئا ... ويرى للأوائل التقديما
Shafi 25