جِدّ، وجِدّ كله هزل، ونظم تشهد العين أنه نثر، ونثر يشهد الذوق أنه نظم. صار المغرب بها مشرقًا لشروقها بأفقه، وإشراقها في جوه، وصار أهله بها أغنى الناس لظفرهم بالكنز الذي ذخرته لهم الأيام، وبالمعدن الذي نام عنه الأنام.
وكنت في طليعة العمر وفي رعيل السن قد هِمتُ بها عشقًا، وشغفت بها حبًّا، وصاحبتها سماعًا، وعاشرتها حفظًا، وأحطت بها علمًا، واستخرجت خباياها، واستطلعت خفاياها، وقَلبتُ ظهورها وبطونها، وعانقت أبكارها وعُونها، وغصت على جواهرها المكنونة، وتخطيت من أخبارها المعلومة إلى أسرارها المكتومة، ولبثت فيها من عمري سنين، إلى أن عرفت أن معرفتها تزكية للعقل، وتعديل للفهم، وجهلها تجريح للطبع، وتفسيق الذهن، وأنه لا أدل على أن الذهن لطيف، والفهم شريف، والطبع فايق، والعقل راجح، إلا معرفتها فإن العارف بها قد شهدت له معرفته بذكاء الحس، وضياء النفس، وإشراق نور الفهم، ورقة حاشية العلم، كما أنه لا أدل على أن الفهم فدم، والعقل غفل، والذهن عهن والطبع طَبِع، والخلق خَلَق، إلا جهلها. فإن الجاهل بها بعد سماعها قد شهِد جهله بأنه كز الغريزة، جاسي الطبيعة، غليظ
1 / 30