وأطرقت آمال صامتة لا تدري ماذا تقول، وعادت إلى نفسها تلك الوساوس من وحدتها بالقرية، فهي تقول دون وعي: لا تقل لأبي. - وأسكت؟! أسكت كأني لم أر شرف ابني يلطخ على يديك؟
أسكت يا ست آمال؟
وصمتت آمال لحظات ثم قالت: إنها أول مرة. - أتظنين أن هذا يهمني كثيرا؟! إن مجرد عزمك على هذا يكفي.
وساد الصمت. وعاد الحاج يقول: من هو؟ - المهندس الذي يسكن بالطابق الأعلى.
وعاد يقول وكأنه لم يسمع الإجابة: ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟!
وقام عن كرسيه وتركها واقفة، وقصد إلى الباب الخارجي وأخذ سبيله إلى الطريق يمشي بجانب بحر مويس والضباب يغطي طريقه.
ألهذا كنت حريصا على أن يكون لي أولاد؟ ألهذا نجيء بهم؟! ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟!
لم يدر لماذا أراد أن يذهب إلى محمد ويراه، أحس كأنه يريد أن يستوثق أنه لا يعرف عن زوجته شيئا! أو أحس أن ابنه جريح وأنه لا بد أن يكون بجانبه، لا يدري أي دافع خالجه، وإنما أحس أنه يريد أن يرى ابنه. ووجد قدميه تقودانه إلى المستشفى الأميري الذي يقع على بحر مويس، ذلك النهر الذي صاحبه منذ دخل في غمار نكبته ولم يفارقه. ظل سائرا بجانب النهر حتى وجد نفسه أمام باب المستشفى، ومع ظهور الباب طالعه سؤال لم يفكر فيه؛ ماذا هو قائل لابنه؟ أي سبب سيخلقه ليبرر هذه الزيارة؟ ولم تطل حيرته؛ فسرعان ما قفز أحمد إلى ذهنه. ودخل إلى المستشفى وسرعان ما استدعي له محمد الذي قبل يد أبيه في محاولة جادة أن يخفي دهشة من الزيارة. ونظر الأب إلى ابنه وهو يقبل يده، وأحس نحوه حبا كبيرا ووجد يده تربت ظهره في حنان، وتشبثت يده لحظة بجاكتة محمد، فقد خالجت نفسه رغبة ملحة أن يعانق ولده، ثم استيقظ من خوالجه، فما تعود أن يعانق ابنه كلما لقيه. وانفرجت أصابعه عن الجاكتة، وأمسك بيد ولده وقاده إلى الكرسي وجلسا: كنت في البندر، وخطر لي أن أراك.
ولم يكف هذا السبب عند محمد، وأحس أن أباه ما زال يخفي سببا آخر. فنظر إليه وحب الاستطلاع لا يريد أن يبارح عينيه وقال: أهلا وسهلا، شرفت ... - وهناك موضوع قلت أكلمك فيه. - أنا تحت أمرك يا با. - أحمد ...
وسكت الأب، وسكت محمد، وفكر الحاج والي أن أحمد ربما يكون رقيبا على آمال يمنعها، وقبل أن يسترسل في تفكيره، نظر إلى محمد وكأنما خشي أن يكون قد أبصر ما يفكر فيه؛ فقال دون ريث تفكير: أنت تعلم أن موعد دخوله المدرسة الابتدائية قد حل. - نعم. - أخاف عليه من الصباح الباكر وبرده، فأنا لا أنسى يوما مرضت أنت فيه بالالتهاب الرئوي، وتعلقت أنفاسنا بأبواب السماء حتى شفاك الله. - أنا تحت أمرك. - يخيل إلي أنه لو أقام معك، لكان هذا أنسب له. - أنا طبعا ...
Shafi da ba'a sani ba