الفصل العاشر
كان حسين جالسا في بهو البيت إلى أخيه محمد، وقد راح محمد يتلو السور القصار وحسين يستمع إليه ويصحح خطأه من حين إلى آخر، وكانت الحاجة بمبة تجلس إلى الأريكة التي تحب الجلوس إليها وأمامها معدات القهوة، وقد ارتاحت نفسها لمنظر الولدين تكاد تحس أنهما ابناها، نعم هما ابناي؛ أما الصغير فأمه لم تره ولم يرها، وأما الكبير فإنه إن ذكر أمه فكما يذكر حلما بددته اليقظة، هما ابناي وإن لم ألدهما. وقد كان الصبي والفتى في شغل عما تفكر فيه الحاجة؛ فأما محمد فمشغول بهذه السور القصار التي إن لم يحفظها انهالت عليه في صبيحة اليوم التالي عصا الشيخ، وأما الفتى فبأحلامه التي يريد أن يسلك إليها السبيل، ويخشى أن تعوقه عنها رغبة الحاج العنيفة في أن يعلمه تعليما مدنيا؛ فقد سمعه يقول للحاجة إنه يريده أن يقصد به إلى المدرسة الابتدائية في المدينة، آملا أن يقبلوه في السنة الثالثة، وإلا ففي السنة الثانية. ولم يستطع أن يهاجم الشيخ في آماله وهو يبنيها له، فصبر ريثما تلوح فرصة أخرى فيكشف عن خوالج أمله هو التي امتزجت بنفسه فهي تملأ عليه جوانب حياته جميعا.
وانتهى محمد من حفظ اللوح، وخرج إلى رفاق ملعبه، وظل حسين مكانه، وتطلع إلى الحاجة يريد أن يقول ولا يقول، فلا يجد ما يفعله إلا أن يمسح تلك الدمعة التي تلازم عينه. ورأته الحاجة وهو يزيل دمعته فأحست خالجة عطف نحوه، ورأت على شفتيه الكلمات، وأرادت أن تصمت حتى يبين، ولكنها ما لبثت أن أشفقت عليه فقالت: هيه يا حسين، ماذا تريد؟
واندهش حسين، ولكنه انتهز الفرصة فقال: أريد أن أذهب إلى الأزهر الشريف يا أم الحاجة.
وقالت الحاجة بمبة: أي نعم يا ابني، تذهب إن شاء الله. - أخاف أن يرفض أبا الحاج. - لماذا؟ - أنا أعرف أنه يريدني أن ...
ودخل الحاج والي قبل أن يكمل حسين جملته، فصمت حسين وقام يستقبل الحاج، ورحبت الحاجة بزوجها الذي اتخذ مجلسه على الأريكة.
والتفتت الحاجة إلى حسين، ثم نظرت إلى الحاج، وأحس الحاج أن بين الاثنين حديثا يريد أن يرقى إلى مسامعه، بل أحس أن الحاجة تريد أن ترجوه في شأن يهم حسينا، وقد كان يحب أن ترجوه الحاجة في أمور حسين، حتى يشعر بالراحة وهو يجيب مطلبها. ولكن الحاج والي تظاهر بأنه لم يفهم شيئا، فأخرج سبحته وراح يساقط حباتها مسبحا في تمتمة وترقب.
وقالت الحاجة: لنا عندك رجاء يا حاج. - قوليه يا حاجة. - حسين يريد أن يذهب إلى الأزهر.
وجمع الحاج سبحته في حركة سريعة وقال: ماذا؟
وقالت الحاجة: ولماذا لا يا حاج؟
Shafi da ba'a sani ba