وقد ناقشه الشيخ فقال: ولا نبو في ذلك لأن الجري على القواعد التي استقرت وصحت هو الأصل. وقوله فقد آذنت بأن كلها أبدال تركيب غير عربي، لأنه جعل (فقد آذنت) جواب (لما) وليس في كلامهم: لما قام زيد فقد قام عمرو. وقوله (بأن كلها أبدال) فيه تكرير الأبدال. أما بدل البداء فقد تكررت فيه الأبدال، وأما بدل كل من كل، وبدل بعض من كل، وبدل اشتمال، فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه، إلا أن في كلامه بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل لا يتكرر، وذلك في قول الشاعر:
بأبي ابنُ أمِّ إياسَ أرحلُ ناقتي ... عمروٍ فتبلغُ حاجتي أو تُزحفُ
ملكٍ إذا نزل الوفودُ ببابه ... عرفوا مواردَ مُزبدٍ لا يُنزَفُ
قال: (فملك) بدل من (عمرو)، بدل نكرة من معرفة. قال: فإن قلت لم لا يكون بدلًا من (ابن أم إياس) قلت: لأنه قد أبدل منه (عمرًا) فلا يجوز أن يبدل منه مرة أخرى لأنه قد طرح.
قال الشيخ فدل هذا على أن البدل لا يتكرر ويتحد المبدل منه، ودل على أن البدل من البدل جائز، قال: وقوله: (تفاعيلها هو جمع تفعال أو تفعول أو تفعول أو تفعيل وليس شيء منها معدودًا من أجزاء العروض فإن أجزاءه منحصرة ليس فيها شيء من هذه الأوزان)، فصوابه أن يقول: أجزاؤها كلها على مستفعلن. انتهى كلام أبي حيان.
وقد ساق تلميذه الشيخ شهاب الدين السمين هذا الفصل برمته في إعرابه، وأقره على حاله كأنه من قبيل المرتضى عنده. والذي يظهر أن جميع هذه المناقشات غير سديدة.
أما الأولى فحاصلها نفي الاستبعاد لمقالة الزجاج بناءً على أنها جارية على الأصول. وتقرير جريانها على ذلك أن توافق النعت الحقيقي ومنعوته في واحد من التعريف والتنكير أمر لازم إما اتفاقًا أو عند الأكثرين، وأن التوافق في ذلك لا يلزم إذا كان التابع بدلًا. فجعل الصفات المعرفة الواقعة في هذه الآية نعوتًا للاسم الشريف جار على القاعدة المتقدمة، وكذا جعل الصفة التي إضافتها غير محضة بدلًا جار على ما سبق من قاعدة البدل. فإذن لا خروج لما قاله الزجاج في كلا الوجهين عما استقر في قواعد كلامهم، فلا نبو فيه.
وأقول: هو وإن جرى على هذه القاعدة فقد خالف قاعدةً أخرى، وهي أنه متى اجتمع بدل ونعت قدم النعت لأنه كالجزء من متبوعه وأخر البدل لأنه تابع كلا تابع، من حيث أنه كالمستقل بمقتضى العامل. ولا خفاء بأنه إذا جعل (شديد العقاب) بدلًا (وذي الطول) الواقع بعده صفةً لزم مخالفة القاعدة المذكورة، مع أنه قد تقدم هذا البدل صفة أخرى، فصار مكتنفًا بصفتين فلزم إدخال ما هو كالأجنبي بين شيئين هما كالجزئين لما قبلهما، وذلك غير مناسب، فظهر النبو باعتبار ذلك.
فإن قلت: إنما لزم هذا حيث جعل قوله (ذي الطول) نعتًا، وليس في كلام أبي حيان ما يقتضيه فلم لا يعرب بدلًا فلا يلزم هذا المحذورظ قلت الكلام في عبارة الزمخشرى التي تعقبها أبو حيان. ومقتضى قوله في الكشاف أن الزجاج جعله بدلًا بين الصفات لا يكون (ذي الطول) بدلًا، إذ لو كان لم يقطع (شديد العقاب) بين الصفات بل بعدها وهو واضح.
وأما المناقشة الثانية وهي تلحين الزمخشرى في قوله: (لما صودف بين هذه المعارف هذه النكرة وحدها فقد آذنت بأن كلها أبدال)، وتقريرها ظاهر من كلام الشيخ فجوابها م ثلاثة أوجه:
1 / 9