فإن قلت: سبق أن (مفاعلتن) يتفرع عنه جزء مهمل وهو (فاعلاتك) والناظم لم ينبه على ذلك، فمن أين يفهم من كلامه أن هذا هو المهمل؟ قلت أجاب عنه الشريف: بأن هذا الجزء الذي عد مهملًا ينبغي أن لا يعتد به في الفك لأن السبب الثقيل لا يفارق الخفيف فهما معًا كالصوت الواحد، ولذلك يسميهما العروضيون فاصلة، فلولا أن مجموعها عندهم شيء واحد أم كالشيء الواحد لما وضعوا لهما معًا اسمًا كما وضعوا الوتد والسبب، فجعلوا بإزاء الصوت الواحد اسمًا وضعوه له، فإذا تبين أن الثقيل والخفيف شيء واحد اقتضى ذلك أن (مفاعلتن) لا ينفك منه إلا جزء واحد، لأن الصوت الواحد لا يتبعض عند الفك فلا تتبعض الفاصلة كما لا يتبعض الوتد، وكما لا يتبعض السبب.
فإذا نظرت إلى حقيقة الفك ووقفت مع قول الناظم إن الأجزاء عشر، فتبينت الأجزاء الأربعة التي هي أم لسائر الأجزاء وأصول لها، وتأملت كيفية الفك فاقتضت أن تكون الأجزاء أحد عشر، علمت أن الساقط منها إنما هو ما يؤدي فكه إلى ممتنع، وأن ذلك هو فصل الثقيل من الخفيف المؤدي إلى تبعيض الفاصلة.
قلت: أطال ﵀ فيما هو غني عنه، وذلك لأن الناظم أتى لكل جزء من الأجزاء العشرة بلفظ موازن له وصدره بحرف من حروف أبجد يدل على مرتبته في العدد، ولما لم يذكر لفظًا يوازن الجزء المهمل علم أن ما يفك خارجًا عن الفروع الستة ليس مما يوزن به عندهم، ولا شيء يفك زائدًا على الستة غير (فاعلاتك) المتفرع عن (مفاعلتن)، فثبت أنه المهمل، إذ لا حاجة في تبيين إحالته إلى الطريقة التي ذكرها الشريف.
واستدلاله على أن المجموع من السبب الثقيل والخفيف شيء واحد، أو كالشيء الواحد، لا تفرق أجزاؤه بتسميتهم له فاصلةً غير متسبب، لجواز أن يكون المقصود بالتسمية الاختصار في اللفظ، إذ الفاصلة أخصر من قولهم سبب ثقيل فسبب خفيف، ويؤنس ذلك تسميتهم لفعلتن المخبول فاصلةً، وليس السبب في ذلك كون أجزائها كالصوت الواحد قطعًا، فكذا الفاصلة الصغرى.
وإنما أوقع الشريف ﵀ فيما ادعاه توهمه أن الألفاظ المصدرة بحروف الرمز لم يؤت بها إلا لأجل الإشارة بما صدرت به من الحروف إلى مراتب الأجزاء فقط، وليس كذلك، بل أريد بها مع ذلك ما أسلفناه فتأمل.
(تنبيه) هذه الأجزاء تسمى بالأركان والأمثلة والأوزان والأفاعيل والتفاعيل.
وقد رأيت مرةً بالقاهرة في سنة خمس وتسعين وسبعمائة بخط قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل الكناني الحنفي رحمه اله على ظهر كراسة: تفاعيل الشعر ثمانية، وعدها، فكتب تحته بعض الأدباء بالديار المصرية ما مثاله أخطأت أيها القاضي لأن التفاعيل جمع تفعال أو تفعول أو تفعيل، وليس شيء منها معدودًا من أجزاء العروض، فإن أجزاءه منحصرة ليس فيها شيء من هذه. فأخبرت القاضي ﵀ أن هذا الكلام خطأ، وذكرت له أن الكاتب مسبوق بهذا الاعتراض، سبقه به الشيخ أبو حيان ولا شك أنه أخذه منه، لأني رأيت هذا بعينه في نسخ من تفسير أبي حيان كتبها هذا المعترض بخطه.
فسألني القاضي ﵀ الكلام على ذلك فكتبت وهأنذا أورد هنا ما كتبته من ذلك وإن كان فيه طول قصدًا لتكثير الفائدة فأقول: اختلف في التوابع الواقعة في قوله تعالى: (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب)، هل هي كلها نعوت أو كلها أبدال، أو (شديد العقاب) بدل وما عداه نعت، وهذا الأخير هو مذهب الزجاج، حكاه عنه صاحب الكشاف ونقله الشيخ في تفسيره المسمى (بالبحر المحيط) وفي (النهر) أيضًا قائلًا إلا أن الزمخشرى قال: جعل الزجاج (شديد العقاب) وحده بدلًا من بين الصفات فيه نبو ظاهر، والوجه يقال: لما صودف بين هذه المعارف هذه النكرة وحدها فقد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف، ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على مستفعلن فهي محكوم عليها أنها من الرجز، فإن وقع فيها جزء واحد على (متفاعلن) كانت من الكامل. انتهى.
1 / 8