- توبة عثمان (١): ⦗١٦١⦘
تاب عثمان بناء على طلب عمرو بن العاص، وقيل: إن عليًا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلَّم كلامًا يسمعه الناس منك ويشهدون عليه ويشهد اللَّه على ما في قلبك من النزوع والإنابة. فإن البلاد قد تمخضت عليك فلا آمن ركبًا آخرين يقدمون من الكوفة فتقول: يا علي اركب إليهم، ولا أقدر أن أركب إليهم، ولا أسمع عذرًا، ويقدم ركب آخرون من البصرة فتقول: يا عليّ اركب إليهم، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك، واستخففت بحقك. فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة، فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
"أما بعد، أيها الناس فواللَّه ما عاب من عاب منكم شيئًا أجهله، وما جئت شيئًا إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني وضلَّ عني رشدي. ولقد سمعت رسول اللَّه ﷺ يقول: "مَن زلَّ فليتب ومَن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة (٢) . إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريف فأنا أول من اتعظ. أستغفر اللَّه مما فعلت وأتوب إليه. فمثلي نزع وتاب. فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم لئن ردني الحق عبدًا لأستنن بسنة العبد، ولأذلنَّ ذل العبد ولأكوننَّ كالمرقوق (٣) إن مُلك صبر، وإن عُتِق شكر، وما عن اللَّه مذهب إلا إليه فلا يعجزن منكم خياركم أن يدنوا إليَّ لئن أبت يميني لتتابعني شمالي".
فرقَّ الناس له يومئذٍ، وبكى من بكى منهم، وقام إليه سعيد بن زيد فقال: يا أمير المؤمنين ليس بواصل لك من ليس معك. اللَّه اللَّه في نفسك فأتمم على ما قلت.
أورد الطبري (٤) هذه الخطبة بنصها، وأتى على ملخصها ابن الأثير (٥) وقد تاب فيها أمام الناس واستغفر اللَّه.
_________
(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٨، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٥٤.
(٢) ابن كثير في البداية والنهاية (٧: ١٧٢) .
(٣) المرقوق: الرقيق.
(٤) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٨.
(٥) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٥٤.
- مروان يفسد توبة عثمان (١): كان عثمان ﵁ مستسلمًا لمروان ولأقاربه، وهذا ما لاحظه عليٌّ ﵁، ⦗١٦٢⦘ فكان لهم تأثير شديد فيه. فلما تاب هذه التوبة وخطب تلك الخطبة التي رقَّت لها قلوب الناس ودخل بيته، دخل عليه مروان وقيل: إنه وجد مروان وسعيدًا ونفرًا من بني أمية ولم يكونوا شهدوا الخطبة، (لكن لا بدَّ أنهم سمعوا بها إن لم يكونوا شهدوها)، فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة، امرأة عثمان -: لا، بل اصمت. فإنهم واللَّه قاتلوه ومؤثموه. إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك، فواللَّه لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ. فقالت له: مهلًا يا مروان عن ذكر الآباء، تخبَّر عن أبي وهو غائب تكذب عليه، وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه. أما واللَّه لولا أنه عمَّه، وأنه يناله غمّه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. فأعرض عنها مروان. ثم قال: يا أمير المؤمنين أتكلَّم أم أصمت؟ قال: بل تكلَّم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي واللَّه لوددت أن مقاتلتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعلن عليها. ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطُّبْيَيْن (٢) وخلف السيل الزُّبَى (٣)، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل. واللَّه لإقامة على خطيئة تستغفر اللَّه منها أجمل من توبة تخوَّف عليها، وإنك إن شئت تقرَّبت بالتوبة، ولم تقرر بالخطيئة وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلِّمهم فإني أستحي أن أكلمهم. فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضًا. فقال: "ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب. شاهت الوجوه. كل إنسان آخذ بإُذُن صاحبه إلا من أريدَ. جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا. اخرجوا عنا لئن رميتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غِبَّ رأيكم. ارجعوا إلى منازلكم، فإنا واللَّه ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا". فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتى علياَ فأخبره الخبر. فجاء علي ﵁ مغضبًا حتى دخل على عثمان. فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرّفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به واللَّه ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه. وأيم اللَّه إني لأراه سيوردك، ثم لا يصدرك. وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك. أذهبت شرفك وغُلبت على أمرك. _________ (١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٨، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٥٦. (٢) الطُّيْبَيْن: حملة الضَّرْع للحيوان، أو الضَّرْع نفسه. (٣) الزُّبَى: الرابية لا يعلوها الماء، مفردها: زُبية. [القاموس المحيط، مادة: زبي] .
- مروان يفسد توبة عثمان (١): كان عثمان ﵁ مستسلمًا لمروان ولأقاربه، وهذا ما لاحظه عليٌّ ﵁، ⦗١٦٢⦘ فكان لهم تأثير شديد فيه. فلما تاب هذه التوبة وخطب تلك الخطبة التي رقَّت لها قلوب الناس ودخل بيته، دخل عليه مروان وقيل: إنه وجد مروان وسعيدًا ونفرًا من بني أمية ولم يكونوا شهدوا الخطبة، (لكن لا بدَّ أنهم سمعوا بها إن لم يكونوا شهدوها)، فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة، امرأة عثمان -: لا، بل اصمت. فإنهم واللَّه قاتلوه ومؤثموه. إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك، فواللَّه لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ. فقالت له: مهلًا يا مروان عن ذكر الآباء، تخبَّر عن أبي وهو غائب تكذب عليه، وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه. أما واللَّه لولا أنه عمَّه، وأنه يناله غمّه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. فأعرض عنها مروان. ثم قال: يا أمير المؤمنين أتكلَّم أم أصمت؟ قال: بل تكلَّم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي واللَّه لوددت أن مقاتلتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعلن عليها. ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطُّبْيَيْن (٢) وخلف السيل الزُّبَى (٣)، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل. واللَّه لإقامة على خطيئة تستغفر اللَّه منها أجمل من توبة تخوَّف عليها، وإنك إن شئت تقرَّبت بالتوبة، ولم تقرر بالخطيئة وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلِّمهم فإني أستحي أن أكلمهم. فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضًا. فقال: "ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب. شاهت الوجوه. كل إنسان آخذ بإُذُن صاحبه إلا من أريدَ. جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا. اخرجوا عنا لئن رميتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غِبَّ رأيكم. ارجعوا إلى منازلكم، فإنا واللَّه ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا". فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتى علياَ فأخبره الخبر. فجاء علي ﵁ مغضبًا حتى دخل على عثمان. فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرّفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به واللَّه ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه. وأيم اللَّه إني لأراه سيوردك، ثم لا يصدرك. وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك. أذهبت شرفك وغُلبت على أمرك. _________ (١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٨، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٥٦. (٢) الطُّيْبَيْن: حملة الضَّرْع للحيوان، أو الضَّرْع نفسه. (٣) الزُّبَى: الرابية لا يعلوها الماء، مفردها: زُبية. [القاموس المحيط، مادة: زبي] .
1 / 161