- زيارة عثمان لعلي في بيته ورجوع المصريين (١):
جاء عثمان إلى عليٍّ فدخل عليه بيته فقال له: يا ابن عم، إن قرابتي قريبة ولي عليك حق عظيم، وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي، ولك عند الناس قدر، وهم يسمعون منك، وأحب أن تركب إليهم فتردهم عنِّي، فإن في دخولهم عليَّ توهينًا لأمري وجراءة عليَّ.
فقال علي: على أيِّ شيء أردهم عنك؟.
قال: على أن أصير إلى ما أشرت إليه ورأيته لي.
فقال عليٌّ: إني قد كلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك تخرج وتقول، ثم ترجع عنه، وهذا من فعل مروان وابن عامر ومعاوية وعبد اللَّه بن سعد. فإنك أطعتهم وعصيتني.
قال عثمان: فأنا أعصيهم وأطيعك.
فأمر عليٌّ الناس، فركب ومعه من المهاجرين والأنصار ثلاثون رجلًا فيهم سعيد بن زيد، وأبو جهم العدوي وجُبير بن مطعم (٢)، وحكيم بن حزام، ومروان، وسعيد بن العاص، وعبد ⦗١٦٠⦘ الرحمن بن عتاب بن أسيد. ومن الأنصار أبو أسيد الساعدي وأبو حميد، وزيد بن ثابت، وحسان بن ثابت وكعب بن مالك (٣)، ومن العرب نيار بن مكرز (٤)، فأتوا المصريين بذي خشب فكلموهم، وكان الذي يكلمهم عليًا ومحمد بن مسلمة. فسمعوا كلامهما ورجعوا إلى مصر.
فقال ابن عديس لمحمد بن سلمة: أتوصينا بحاجة؟ قال: نعم. تتقي اللَّه وترد من قِبلك عن إمامهم، فإنه قد وعدنا أن يرجع وينزع. قال ابن عديس: أفعل إن شاء اللَّه.
ورجع عليّ ومن معه إلى المدينة فدخل على عثمان فأخبره برجوعهم وكلمه بما في نفسه وخرج من عنده. فمكث عثمان ذلك اليوم وجاءه مروان، بكر الغد. فقال له: تكلَّم وأعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا، وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلًا قبل أن يجيء الناس إليك من أمصارهم، ويأتيك ما لا تستطيع دفعه. ففعل عثمان. فلما خطب الناس قال له عمرو بن العاص: اتق اللَّه يا عثمان فإنك قد ركبت أمورًا وركبناها معك فتب إلى اللَّه نتب. فناداه عثمان: وإنك هنا يا ابن النابغة قَملت واللَّه جبتك منذ عزلتك عن العمل. فنودي من ناحية أخرى: تب إلى اللَّه. فرفع يديه واستقبل القبلة وقال: "اللَّهم إني أول تائب".
وخرج عمرو بن العاص إلى فلسطين. وكان يقول: واللَّه إني كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان.
_________
(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٧، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٥٤.
(٢) هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، أبو سعيد، القرشي، المتوفى، سنة ٥٨ هـ. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج ١/ص ١٨٤، تهذيب التهذيب ج ٢/ص ٦٣، تقريب التهذيب ج ١/ص ١٢٥، خلاصة تهذيب الكمال ج ١/ص ١٦١، الكاشف ج ١/ص ١٨٠، تاريخ البخاري الكبير ج ٢/ص ٢٢٥، تاريخ البخاري الصغير ج ١/ص ٦، الجرح والتعديل ج ٢/ص ١١٣، تجريد أسماء الصحابة ج ١/ص ٧٨، أسد الغابة ج ١/ص ٣٢٢، الإصابة ج ١/ص ٤٦٢، الاستيعاب ج ١/ص ٤٣٢، شذرات الذهب ج ١/ص ٥٩، الوافي بالوفيات ج ١١/ص ٥٨، البداية والنهاية ج ٨/ص ٤٦، سير أعلام النبلاء ج ٣، ص ٩٥، الثقات ج ٣/ص ٥٠، أسماء الصحابة الرواة ترجمة ٥٧، نقعة الصديان ترجمة ٨٣.
(٣) هو كعب بن مالك بن عمرو بن القين، الأنصاري، السلمي (بفتح السين واللام)، الخزرجي، صحابي من أكابر الشعراء من أهل المدينة، اشتهر في الجاهلية، كان في الإسلام من شعراء الرسول ﷺ، شهد أكثر الوقائع، ثم كان من أصحاب عثمان، وأنجده يوم الثورة، وحرَّض الأنصار على نصرته، ولما قُتل عثمان قعد عن نصرة علي، فلم يشهد حروبه، عُمي في آخر عمره وعاش سبعًا وسبعين سنة، توفي سنة ٥٠ هـ. للاستزادة راجع: الأغاني ج ١٥/ص ٢٩، الإصابة ٧٤٣٣، نكت الهميان ٢٣١، خلاصة تهذيب الكمال ج ٢/ص ٢٧٣، رغبة الأمل ج ٢/ص ٧٣، المرزباني ٣٤٢، حُسن الصحابة ص ٤٣، خزانة الأدب للبغدادي ج ١/ص ٢٠٠.
(٤) في الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٨: "نيار بن مِكْرم".
1 / 159