- قدوم عبد اللَّه بن أبي سرح إلى عثمان (١):
لما تكلَّم الناس بخلع عثمان، وفد عبد اللَّه على عثمان سنة ٣٥ هـ واستخلف على مصر عقبة بن عامر الجهني، وقيل: بل استخلف السائب ابن هشام العامري فظهر عليه محمد بن أبي حذيفة بن عتبة الأموي، فأزال عنها السائب وتأمَّر على مصر، فرجع عبد اللَّه بن أبي سرح، فمنعه محمد بن أبي حذيفة من دخول الفسطاط فمضى إلى عسقلان، فأقام بها حتى قتل عثمان، وقيل: بل أقام بالرملة حتى مات فارًّا من الفتنة، فتوفي ولم يبايع لعلي ولا لمعاوية، وكانت وفاته سنة ٣٧ هـ.
_________
(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٥٤.
- خطبة معاوية: ذكروا أن ابن عباس قال: خرجت إلى المسجد فإني لجالس فيه مع علي حين صليت العصر، إذ جاء رسول عثمان يدعو عليًا. فقال علي: نعم. فلما أن ولى الرسول ⦗١٥٦⦘ أقبل علي فقال: لِمَ تراه دعاني؟ فقلت له: دعاك ليكلمك. فقال: انطلق معي. فأقبلت فإذا طلحة والزبير وسعد وأناس من المهاجرين، فجلسنا، فإذا عثمان عليه ثوبان أبيضان. فسكت القوم ونظر بعضهم إلى بعض فحمد اللَّه عثمان ثم قال: "أما بعد، فإن ابن عمي معاوية هذا قد كان غائبًا عنكم وعما نلتم مني وما عاتبتكم عليه وعاتبتموني. وقد سألني أن يكلِّمكم وأن يكلِّمه من أراد". فقال سعد بن أبي وقاص: وما عسى أن يقال لمعاوية أو يقول إلا ما قلت أو قيل لك! فقال: على ذلكم، تكلم يا معاوية فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، يا معشر المهاجرين وبقية الشورى فإياكم أعني، وإياكم أريد فمن أجابني بشيء فمنكم واحد، فإني لم أرد غيركم. توفي رسول اللَّه ﷺ فبايع الناس أحد المهاجرين التسعة، ثم دفنوا نبيهم فأصبحوا سالمًا أمرهم كأن نبيهم بين أظهرهم. فلما أيس الرجل من نفسه بايع رجلًا من بعده أحد المهاجرين، فلما احتضر ذلك الرجل شك في واحد أن يختاره، فجعلها في ستة نفر بقية المهاجرين فأخذوا رجلًا منهم لا يألون عن الخير فيه فبايعوه وهم ينظرون إلى الذي هو كائن من بعده لا يشكون ولا يمترون. مهلًا مهلًا أيها المهاجرون. فإن وراءكم من إن دفعتموه اليوم اندفع عنكم، ومن إن فعلتم الذي أنتم فاعلوه دفعكم بأشد من ركنكم وأعدّ من جمعكم، ثم استن عليكم بسنتكم، ورأى أن دم الباقي ليس بممتنع بعد دم الماضي. فسددوا وارفقوا لا يغلبكم على أمركم من حدتكم". فقال علي بن أبي طالب: "كأنك تريد نفسك يا ابن اللخناء لست هنالك". فقال معاوية: مهلًا عن بنت عمك. فإنها ليست بشر نسائك. يا معشر المهاجرين وولاة هذا الأمر. ولاَّكم اللَّه إياه فأنتم أهله. وهذان البلدان مكة والمدينة مأوى الحق ومنتهاه. وإنما ينظر التابعون إلى السابقين والبلدان إلى البلدين، فإن استقاموا استقاموا وأيم اللَّه الذي لا إله إلا هو لئن صفقت إحدى اليدين على الأخرى لا يقوم السابقون للتابعين ولا البلدان للبلدين وليسلبن أمركم، ولينقلن المُلك من بين أظهركم. وما أنتم في الناس إلا كالشامة السوداء في الثور الأبيض. فإني رأيتكم نشبتم في الطعن على خليفتكم وبطرتم معيشتكم وسفهتم أحلامكم. وما كل نصيحة مقبولة. والصبر على بعض المكروه خير من تحمله كله". ثم خرج القوم وأمسك عثمان ابن عباس، فقال له: "يا ابن عمي ويا ابن خالتي. فإنه لم يبلغني عنك في أمر شيء أحبه ولا أكرهه عَلَيَّ ولا لِيَ. وقد علمت أنك رأيت بعض ما رأى الناس فمنعك عقلك وحلمك من أن تظهر ما أظهروا، وقد أحببت أن تعلمني رأيك فيما بيني وبينك فأعتذر".
- خطبة معاوية: ذكروا أن ابن عباس قال: خرجت إلى المسجد فإني لجالس فيه مع علي حين صليت العصر، إذ جاء رسول عثمان يدعو عليًا. فقال علي: نعم. فلما أن ولى الرسول ⦗١٥٦⦘ أقبل علي فقال: لِمَ تراه دعاني؟ فقلت له: دعاك ليكلمك. فقال: انطلق معي. فأقبلت فإذا طلحة والزبير وسعد وأناس من المهاجرين، فجلسنا، فإذا عثمان عليه ثوبان أبيضان. فسكت القوم ونظر بعضهم إلى بعض فحمد اللَّه عثمان ثم قال: "أما بعد، فإن ابن عمي معاوية هذا قد كان غائبًا عنكم وعما نلتم مني وما عاتبتكم عليه وعاتبتموني. وقد سألني أن يكلِّمكم وأن يكلِّمه من أراد". فقال سعد بن أبي وقاص: وما عسى أن يقال لمعاوية أو يقول إلا ما قلت أو قيل لك! فقال: على ذلكم، تكلم يا معاوية فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، يا معشر المهاجرين وبقية الشورى فإياكم أعني، وإياكم أريد فمن أجابني بشيء فمنكم واحد، فإني لم أرد غيركم. توفي رسول اللَّه ﷺ فبايع الناس أحد المهاجرين التسعة، ثم دفنوا نبيهم فأصبحوا سالمًا أمرهم كأن نبيهم بين أظهرهم. فلما أيس الرجل من نفسه بايع رجلًا من بعده أحد المهاجرين، فلما احتضر ذلك الرجل شك في واحد أن يختاره، فجعلها في ستة نفر بقية المهاجرين فأخذوا رجلًا منهم لا يألون عن الخير فيه فبايعوه وهم ينظرون إلى الذي هو كائن من بعده لا يشكون ولا يمترون. مهلًا مهلًا أيها المهاجرون. فإن وراءكم من إن دفعتموه اليوم اندفع عنكم، ومن إن فعلتم الذي أنتم فاعلوه دفعكم بأشد من ركنكم وأعدّ من جمعكم، ثم استن عليكم بسنتكم، ورأى أن دم الباقي ليس بممتنع بعد دم الماضي. فسددوا وارفقوا لا يغلبكم على أمركم من حدتكم". فقال علي بن أبي طالب: "كأنك تريد نفسك يا ابن اللخناء لست هنالك". فقال معاوية: مهلًا عن بنت عمك. فإنها ليست بشر نسائك. يا معشر المهاجرين وولاة هذا الأمر. ولاَّكم اللَّه إياه فأنتم أهله. وهذان البلدان مكة والمدينة مأوى الحق ومنتهاه. وإنما ينظر التابعون إلى السابقين والبلدان إلى البلدين، فإن استقاموا استقاموا وأيم اللَّه الذي لا إله إلا هو لئن صفقت إحدى اليدين على الأخرى لا يقوم السابقون للتابعين ولا البلدان للبلدين وليسلبن أمركم، ولينقلن المُلك من بين أظهركم. وما أنتم في الناس إلا كالشامة السوداء في الثور الأبيض. فإني رأيتكم نشبتم في الطعن على خليفتكم وبطرتم معيشتكم وسفهتم أحلامكم. وما كل نصيحة مقبولة. والصبر على بعض المكروه خير من تحمله كله". ثم خرج القوم وأمسك عثمان ابن عباس، فقال له: "يا ابن عمي ويا ابن خالتي. فإنه لم يبلغني عنك في أمر شيء أحبه ولا أكرهه عَلَيَّ ولا لِيَ. وقد علمت أنك رأيت بعض ما رأى الناس فمنعك عقلك وحلمك من أن تظهر ما أظهروا، وقد أحببت أن تعلمني رأيك فيما بيني وبينك فأعتذر".
1 / 155