- فتح سجستان وكابل (١):
فتحت سجستان في أيام عمر بن الخطاب، ثم إن أهلها نقضوا عهدهم. فلما توجَّه ابن عامر إلى خراسان سير إليها من كرمان الربيع بن زياد الحارثي (٢)، فأتى حصن زالق فأغار على أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه فافتدى نفسه بأن ركز عنزةً، ثم غمرها ذهبًا وفضة، وصالح الدهقان على حقن دمه وصالحه على صلح أهل فارس، ثم أتى قرية يقال لها كَركويه (٣) على خمسة أميال من زالق فصالحوه على غير قتال، ثم أتى زالق وأخذ الأدلاَّء منها إلى زَرَنج (٤)، وسار حتى نزل الهندمند، وأتى زوشت وهي من زرنج على ثلثي ميل فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالًا شديدًا، وأصيب رجال من المسلمين، ثم كرَّ المسلمون وهزموهم حتى اضطروهم إلى المدينة بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة (٥)، ثم أتى الربيع ناشروذ (٦) قرية فقاتل أهلها وظفر بهم، ثم مضى إلى شرواذ (٧) قرية فغلب عليها، ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتل أهلها، فبعث إليه أبرْويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه، فأمر بجسد من أجساد القتلى، فوضع له، فجلس عليه واتكأ على آخر، وأجلس أصحابه على أجساد القتلى مثله. وكان الربيع آدم أفوه طويلًا. ⦗١٠٢⦘ فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وَصِيف مع كل وَصِيف (٨) جام من ذهب، ودخل المسلمون المدينة، ثم أتى سناروذ (٩) وهو وادٍ فعبره وأتى القريتين، وهناك مربط فرس رُسْتَم (١٠) فقاتله أهلها فظفر بهم، ثم عاد إلى زرنج وأقام بها سنتين، ثم أتى ابن عامر واستخلف بها رجلًا من بني الحارث بن كعب فأخرجوه وأغلقوها. وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفًا، وسبى في ولايته هذه ٤٠. ٠٠٠ رأس، وكان كاتبه الحسن البصري (١١)، ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سَمُرَة بن حبيب بن عبد شمس (١٢) سجستان، فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في ⦗١٠٣⦘ يوم عيد لهم فصالحه على ألفي ألف درهم، وألفي وصيف. وغلب ابن سَمُرَة على ما بين زرنج وكَشّ (١٣) من ناحية الهند، وغلب من ناحية طريق الرُّخَّج (١٤) على ما بينه وبين بلاد الداور (١٥)، فلما انتهى إلى بلاد الداور حصرهم في جبل الزور (١٦)، ثم صالحهم، فكانت عدة من معه من المسلمين ٨٠٠٠ فأصاب كل رجل منهم ٤٠٠٠ ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين، ثم قال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع. وفتح كابل وزابلستان. وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها حتى اضطرب أمر عثمان، فاستخلف عليها أمير بن أحمر اليشكريّ، وانصرف من سجستان، فأخرج أهلها أمير بن أحمر وامتنعوا.
_________
(١) سجستان: معرب سيستان، وكانت قديمًا تسمَّى: ساقستان، أي بلاد الساقة، وهي ولاية بالجنوب الغربي من أفغانستان يتبعها قسم داخل حدود بلاد العجم.
(٢) هو أخو المهاجر بن زياد وهو من قال عنه عمر بن الخطاب: "ما صَدَقني أحد منذ استخلفت كما صَدَقني الربيع بن زياد". للاستزادة راجع: أسد الغابة ج ٢/ص ٢٠٧، تاريخ الطبري ج ٤/ص ١٨٣، الإصابة ج ١/ص ٨٠، الكامل في التاريخ/ الفهارس، جمهرة أنساب العرب ص ٣٩١، تهذيب التهذيب ج ٣/ص ٢٤٤، حياة الصحابة ج ٢/ص ١٦٨.
(٣) كركويه: مدينة من نواحي سجستان.
(٤) زرنج: مدينة هي قصبة سجستان.
(٥) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٢٢.
(٦) ناشروذ: قرية بسجستان.
(٧) شرواذ: قرية بسجستان.
(٨) الوَصِيف: الخادم، وجمعه وُصَفَاء.
(٩) سناروذ: اسم لنهر سجستان يأخذ من نهر هند مند فيجري على قدر فرسخ من سجستان فيتفرع منه أنهر يسقي الرساتيق وتجري فيه السفن أيام المد. ورد في المتن: "هو وادٍ" وهذا خطأ اقتضى تصويبه.
(١٠) رُسْتَم: بضم الراء وفتح التاء، هو رُسْتَم بن الفرخزاد، ورُسْتَم لفظة فارسية، معناها: نَجَوْتُ، ويقال إن أمه تعذَّبت بولادته لِشِدَة تَعَسُّرها، وعندما وضعته صاحت: رُسْتَم أي نَجَوْتُ، فسمي بهذا الاسم. قتلت أَزْرميدُخت والده، ورُسْتَم من القواد المشهورين في فارس، هزمه سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية.
(١١) هو الحسن بن يَسَار البصري، أبو سعيد، تابعي، كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه، هو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النسَّاك، ولد بالمدينة سنة ٢١ هـ، شبَّ في كنف علي بن أبي طالب، استكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية، سكن البصرة، وعظمت هيبته في القلوب، فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم، لا يخاف في اللَّه لومة لائم، قال فيه الغزالي: كان الحسن البصري أشبه الناس كلامًا بكلام الأنبياء، وأقربهم هديًا من الصحابة، كان غاية في الفصاحة، تتصبَّب الحكمة من فيه، له مع الحجاج بن يوسف مواقف، توفي في البصرة سنة ١١٠ هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج ٢/ص ١١٠، وفيات الأعيان ج ١/ص ١١٥، ميزان الاعتدال ج ١/ص ٢٥٤، حلية الأولياء ج ٢/ص ١٣١، ذيل المذيل ص ٩٣، أمالي المرتضى ج ١/ص ١٠٦، الأزهرية ج ٣/ص ٧٢٥.
(١٢) هو عبد الرحمن بن سَمُرَة بن حبيب بن عبد شمس القرشي، أبو سعيد، صحابي، من القادة الولاة، أسلم يوم الفتح، شهد غزوة مؤتة، سكن البصرة، افتتح سجستان، وغزا خراسان، ثم عاد إلى البصرة فتوفي فيها سنة ٥٠ هـ، كان اسمه في الجاهلية: "عبد كلال"، سماه النبي ﷺ عبد الرحمن. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج ٦/ص ١٩٠، تهذيب الكمال ج ٢/ص ٧٩٢، تقريب التهذيب ج ١/ص ٤٨٣، خلاصة تهذيب الكمال ج ٢/ص ١٣٦، الكاشف ج ٢/ص ١٦٧، تاريخ البخاري الكبير ج ٥/ص ٢٤٢، تاريخ البخاري الصغير ج ١/ص ٩٦، الجمع بين رجال الصحيحين ص ٢٨٢، دول الإسلام للذهبي ج ١/ص ٢٦، نسب قريش ص ١٥٠، الجرح والتعديل ج ٥/ص ٢٤١، الثقات ج ٣/ص ٢٤٩، أسد الغابة ج ٣/ص ٤٥٤، تجريد أسماء الصحابة ج ١/ص ٣٤٨، الإصابة ج ٤/ص ٣١٠، الاستيعاب ج ٢/ص ٨٣٥، سير الأعلام ج ٢/ص ٥٧١، أسماء الصحابة الرواة ترجمة ص ١٤٩.
(١٣) الكَشّ: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان على الجبل.
(١٤) الزُّخَّج: كورة من أعمال سجستان، ومدينة من نواحي كابل.
(١٥) ورد في الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج ٣/ص ٢٣: "الداون" ولعل ما ورد في متن هذا الكتاب خطأ على الأرجح، والصواب هو "الداون" وليس "الداور".
(١٦) ورد في الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج ٣/ص ٢٦: "الزوز" ولعل ما ورد في متن هذا الكتاب خطأ على الأرجح، والصواب هو "الزوز" وليس "الزور".
1 / 101