- مقتل يزدجرد بن شهريار (١) (سنة ٣١ هـ/ ٦٥١ م):
كان يزدجرد بن شهريار بن كسرى ملك فارس قد تولى في خلافة عمر بن الخطاب سنة ١٤ هـ، وهو الذي جمع جيشًا تحت قيادة رستم لمحاربة المسلمين، فانهزم جيشه ففر إلى خراسان. ولم يزل المسلمون يتبعونه ويقفون أثره من مدينة إلى مدينة، وهو يهرب حتى بيته جماعة من الترك فقتلوه سنة ٣١ هـ. وقد اختلف في سبب قتله: قال ابن إسحاق: هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو فسأل مرزبانها مالًا، فمنعه، فخافوا على أنفسهم، فأرسلوا إلى الترك يستنصرونهم عليه، فأتوه، فبيتوه، فقتلوا أصحابه، وهرب يزدجرد حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء على شط المرغاب (٢) فأوى إليه ليلًا فلما نام قتله. وزاد بعضهم أن النقار أخذ متاعه وجواهره وألقى جسده في المرغاب، وأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره حتى خفي عليهم عند منزل النقار، فأخذوه، فأقر لهم بقتله، وأخرج متاعه، فقتلوا النقار وأهل بيته، وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد وأخرجوه من المرغاب، فجعلوه في تابوت من خشب. وقال بعضهم: إنهم حملوه إلى إصطخر فدفن بها في أول سنة ٣١ هـ. وهو آخر ملوك الفرس، وصفا الملك بعده للعرب. وكان عمره عندما قُتل ٣٤ سنة.
_________
(١) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٢٠، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ١٤، ابن كثير، البداية والنهاية ج ٧/ص ١٥٨. "خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس".
(٢) شط المرغاب: نهر بمرو.
- فتح خراسان (١) (سنة ٣٤ هـ/ ٦٥٢ م): ⦗٩٥⦘ لما قتل عمر بن الخطاب نقض أهل خراسان وغدروا، فلما استخلف عثمان بن عفان ولَّى عبد اللَّه بن عامر بن كريز البصرة في سنة ٢٨. ويقال ٢٩، وهو ابن ٢٥ سنة، وهو ابن خال عثمان بن عفان، ولد على عهد رسول اللَّه ﷺ، وكان كريمًا، ميمون النقيبة (٢)، فافتتح من أهل فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان، واستخلف على البصرة زياد بن أبي سفيان (٣)، وسار إلى كرمان (٤) فاستعمل عليها مجاشع بن مسعود السلمي، وأمره بمحاربة أهلها، وكانوا قد نكثوا، واستعمل على سجستان (٥) الربيع بن زياد الحارثي، وكانوا أيضًا قد نقضوا الصلح، وسار ابن عامر إلى نيسابور، وجعل على مقدمته الأحنف بن قيس (٦)، فأتى الطبَسين، وهما حصنان، وهما بابا ⦗٩٦⦘ خراسان، فصالحه أهلها على ٦٠٠. ٠٠٠ درهم، وسار إلى قهستان، فلقيه أهلها، وقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم. وبعث ابن عامر سرية إلى رستاق زام من أعمال نيسابور، ففتحه عنوة، وفتح باخرْز (٧)، من أعمال نيسابور أيضًا، وفتح جُوَين (٨)، وسبى سبيًا، ووجَّه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي من عديِّ الرباب، وكان ناسكًا، إلى بيهق من أعمال نيسابور، فدخل حيطان البلد من ثلمة كانت فيها، ودخلت معه طائفة من المسلمين، فأخذ العدو عليهم تلك الثلمة، فقاتل الأسود حتى قتل هو، وطائفة ممن معه. وقام بأمر المسلمين بعده أخوه أدهم بن كلثوم فظفر، وفتح بيهق (٩)، وكان الأسود يدعو إلى اللَّه أن يحشره من بطون السباع والطير، فلم يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه. وفتح ابن عامر بُشت (١٠) من نيسابور وأشبَنذ ورُخَّ وزاره وخوَاف وأسفرائن وأرغيان (١١) من نيسابور، ثم أتى أبرشهر وهي مدينة نيسابور، فحصر أهلها أشهرًا، وكان على كل ربع منها رجل موكل به، وطلب صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة، فأعطاه وأدخلهم إياها ليلًا، ففتحوا الباب، وتحصَّن مرزبانها في القهندز (١٢)، ومعه جماعة. وطلب الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها، فصالحه على ألف ألف درهم، وولي نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمي (١٣)، ووجَّه ابن عامر عبد اللَّه بن خازم السلمي (١٤) إلى حُمراندر من ⦗٩٧⦘ نسا (١٥)، وهو رستاق قرية ففتحه، وأتاه صاحب نسا فصالحه على ٣٠٠. ٠٠٠ درهم. ويقال: على احتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحدًا ولا يسبيه. وقدم بهمنة عظيم أبيورد (١٦) على ابن عامر فصالحه على ٤٠٠. ٠٠٠ درهم، ويقال وجه إليها ابن عامر عبد اللَّه بن خازم فصالح أهلها على ٤٠٠. ٠٠٠ درهم، ووجَّه عبد اللَّه بن عامر عبد اللَّه بن خازم إلى سَرَخْس (١٧) فقاتلهم، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على تأمين مائة رجل، وأن يدفع إليه النساء، فصارت ابنته في سهم خازم، واتخذها وسماها مَيساء، وغلب ابن خازم على أرض سرخس، ويقال: إنه صالحه على أن يؤمن مائة نفس فسمَّى له المائة، ولم يسم نفسه فقتله ودخل سَرخس عنوة، ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينة ففتحهما. وأتى كنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه على طوس على ٦٠٠. ٠٠٠، ووجَّه ابن عامر جيشًا إلى هراة عليه أوس ابن ثعلبة ويقال: خُليد بن عبد اللَّه الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إلى ابن عامر، وصالحه على هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنه فتحهما عنوة، وكتب له ابن عامر: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد اللَّه بن عامر عظيم بوشنج وبادغيس. أمره بتقوى اللَّه ومناصحة المسلمين وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين، وصالحه على هَراة. سهلها وجبلها على أن يؤدي من الجزية ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلًا بينهم، فمن منع ما عليه فلا عهد له ولا ذمة. وكتب ربيع بن نهشل وجثم بن عامر" (١٨) . وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجَّه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي، فصالحه على ألف ألف ومائتي ألف درهم. وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن عليهم قسمة المال، وليس على المسلمين إلا قبض ذلك. وكانت مرو صلحًا كلها ⦗٩٨⦘ إلا قرية منها يقال لها: السنج، فإنها أخذت عنوة. ووجَّه عبد اللَّه ابن عامر الأحنف، وهو حصن من مرو الروذ وله رستاق عظيم يعرف برستاق الأحنف، ويدعى بشق الجرد. فحصر أهله، فصالحوه على ٣٠٠،٠٠٠. فقال الأحنف: أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا، وكان الصلح عن جميع الرستاق، ومضى الأحنف إلى مرو الروذ، فحصر أهلها، وقاتلوه قتالًا شديدًا، فهزمهم المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم، وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له، فكتب إلى الأحنف أنه دعاني إلى الصلح إسلام باذام، فصالحه على ٦٠٠. ٠٠٠. ووجَّه الأحنف الأقرع بن حابس التميمي (١٩) في خيل، وقال: "يا بني تميم تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم، وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم". فسار الأقرع، فلقي العدو بالجوزجان (٢٠) فكانت في المسلمين جولة ثم كرّوا فهزموهم، وفتحوا الجوزجان عنوة. وفتح الأحنف الطالقان صلحًا، وفتح الفارياب، ثم سار الأحنف إلى بلخ، وهي مدينة طخارا فصالحهم أهلها على ٤٠٠. ٠٠٠، فاستعمل على بلخ أرسيد بن المتشمس، ثم سار إلى خوارزم، وهي من سقي النهر جميعًا ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إلى بلخ وقد جبى أرسيد صلحها. قال أبو عبيدة: فتح ابن عامر ما دون النهر، فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل. فيقال: إنه عبر النهر حتى أتى جميع مواضعه. وقيل بل أتوه وصالحوه، وبعث من قبض ذلك، فأتته الدواب، والوصفاء، والوصائف، والحرير، والثياب. ثم إنه أحرم شكرًا للَّه. ولما تم لابن عامر هذا الفتح قال له الناس: ما فتح لأحد ما فتح عليك، فارس وكرمان وسجستان وخراسان. فقال: لا جرم لأجعلن شكري للَّه على ذلك أن أخرج محرمًا من موقفي ⦗٩٩⦘ هذا فأحرم بعمرة من نيسابور. وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم. جميع هذه المدن والقرى التي مر ذكرها هي بخراسان. ولما كانت فارسية فقد يستغربها القارئ ويصعب عليه النطق بها، وقد اضطررت إلى ذكرها، لأن المسلمين فتحوها تحت قيادة عبد اللَّه بن عامر، وفتح أغلبها صلحًا، لأنهم لم يستطيعوا مقاومة المسلمين، وقد قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس. _________ (١) خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس تحدها شمالًا خيوا وشرقًا أفغانستان وجنوبًا وغربًا ولايات كرمان الفارسية وفرس ولورستان والعراق العجمي. ومن أمهات مدن خراسان نيسابور وهراة ومرو وكانت قصبتها وبلخ وطالقان ونسا. للاستزادة راجع: الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٢٠، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ١٤. (٢) ميمون النقيبة: أي مبارك النفس مظفَّرًا بما يحاول. (٣) هو زياد بن أبيه، أمير من دهاة العرب، القادة الفاتحين، الولاة، من أهل الطائف، فقيل: عُبَيد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، ولدته أمه سميّة وهي جارية الحارث بن كلدة الثقفي في الطائف سنة ١، وتبنَّاه عُبَيد الثقفي مولى الحارث بن كلدة، وأدرك النبي ﷺ ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتبًا للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري أيام إمرته على البصرة، ثم ولاه علي بن أبي طالب على فارس، ولما توفي عليّ امتنع زياد على معاوية، وتحصَّن في قلاع فارس، وتبين لمعاوية أنه أخوه من أبيه "أبي سفيان" فكتب إليه بذلك، فقدم عليه وألحقه معاوية بنسبه سنة ٤٤ هـ، قال الأصمعي: أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش عليها اسم "اللَّه" ومحا عنها اسم الروم ونقوشهم، زياد. للاستزادة راجع: ابن خلدون ج ٣/ص ٥، ابن الأثير الكامل في التاريخ ج ٣/ص ١٩٥، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٦/ص ١٦٢، تهذيب ابن عساكر ج ٤/ص ٤٠٦، ميزان الاعتدال ج ١/ص ٣٥٥، لسان الميزان ج ٢/ص ٤٩٣، البدء والتاريخ ج ٦/ص ٢، خزانة الأدب ج ٢/ص ٥١٧، الذريعة ج ١/ص ٣٣١، عقود اللطائف. (٤) كرمان ولاية بين فارس، ومكران، وسجستان، وخراسان. (٥) سجستان بينها وبين كرمان ١٣٠ فرسخًا. (٦) هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حُصين المرِّي السعدي المنقري التميمي، أبو بحر، سيد تميم، أحد العظماء الدهاة، الفصحاء الشجعان الفاتحين، يضرب به المثل في الحلم، ولد في البصرة سنة ٣ ق. هـ أدرك النبي ﷺ ولم يره، شهد فتوح خراسان وقال ياقوت في معجم البلدان ج ٣/ص ٤٠٩: "أنقذه عمر سنة ١٨ هـ، لغزو خراسان، فدخلها وتملَّك مدنها، وهرب منه يزدجرد بن شهريار ملك الفرس إلى خاقان ملك الترك بما وراء النهر، اعتزل الفتنة يوم الجمل، ثم شهد صفِّين مع عليّ، ولمَّا انتظم الأمر لمعاوية عاتبه، فأغلظ له الأحنف في الجواب، فسُئل معاوية عن صبره عليه، فقال: هذا الذي إذا غضب، غضب له مائة ألف لا يدرون فِيمَ غضب. كان صديقًا لمصعب بن الزبير، وفد الكوفة وتوفي فيها سنة ٧٢ هـ وهو عنده. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج ٧/ص ٦٦، ابن خلكان ج ١/ص ٢٣٠، ذكر أخبار أصبهان ج ١/ص ٢٢٤، جمهرة الأنساب ص ٢٠٦، تهذيب ابن عساكر ج ٧/ص ١٠، تاريخ الخميس ج ٢/ص ٣٠٩، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٣/ص ١٢٩. (٧) بين نيسابور وهراة. (٨) يسميها أهل خراسان كوبان، بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ. (٩) من أعمال نيسابور. (١٠) سميت بذلك: لأنها كالظهر لنيسابور. والظهر باللغة الفارسية يقال له: بشت. (١١) كورة من نواحي نيسابور. (١٢) القهندز: كالحصن، تعريبها معناه: القلعة العتيقة. (١٣) هو قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت بن حبيب السلمي، من الخطباء الشجعان، من أعيان البصرة في صدر الإسلام، كان من أنصار بني أمية فيها، ثم قام بدعوة عبد اللَّه بن الزبير، وصحب أخاه مصعبًا في ثورته، إلى أن قُتل، فتوجَّه إلى عبد الملك بن مروان، فعفا عنه وأكرمه، توفي سنة ١٨٨ هـ بالبصرة. للاستزادة راجع: النووي ج ٢/ص ٦٤، ذيل المذيل ص ٣٥، والمرزباني ص ٣٣٣، الإصابة ج ٣/ص ٢٣٥. (١٤) هو عبد اللَّه بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي البصري، أبو صالح، أمير خراسان، له صحبة، كان من أشجع الناس، أسود اللون، كثير الشعر، يتعمم بعمامة خزّ سوداء، يلبسها في الجُمع والأعياد والحرب، ويقول: كسانيها رسول اللَّه ﷺ، قال البغدادي: هو غربان العرب في الإسلام، له فتوحات وغزوات، ولي إمرة خراسان لبني أمية، واستمر عشر سنين، وفي أيامه كانت فتنة ابن الزبير، فكتب إليه ابن خازم بطاعته، فأقره على خراسان، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته، فأبى، فلما قُتل مصعب بن الزبير بعث إليه عبد الملك برأسه فغسله وصلى عليه، ثم انتقض عليه أهل خراسان، فقتلوه، وأرسلوا رأسه إلى عبد الملك سنة ٧٢ هـ. (١٥) مدينة بخراسان، ينسب إليها النسائي صاحب السنن. (١٦) أَبِيوَرْد: مدينة بخراسان بين سرخس ونسا. (١٧) ويقال بالتحريك والأول أكثر: مدينة قديمة بين نيسابور ومرو صحيحة التربة كثيرة المراعي، قليلة القرى. (١٨) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٦٠. (١٩) هو الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي الدارمي التميمي، صحابي، من سادات العرب في الجاهلية، قدم على رسول اللَّه ﷺ في وفد بني دارم من تميم، فأسلموا، وشهد حنينًا وفتح مكة والطائف، سكن المدينة، وكان من المؤلفة قلوبهم، ورحل إلى دومة الجندل في خلافة أبي بكر، وكان مع خالد بن الوليد في أكثر وقائعه حتى اليمامة، واستشهد بجوزجان سنة ٣١ هـ، ومن المؤرخين من يرى أن اسمه فراس، وأن الأقرع لقب له، لقرع كان برأسه، للاستزادة راجع: ابن عساكر ج ٣/ص ٨٦، ذيل المذيّل ص ٣٢، خزانة الأدب للبغدادي ج ٣/ص ٣٩٧، عيون الأثر ج ٢/ص ٢٠٥. (٢٠) جَوْزَجان: اسم كورة واسعة من كور بلخ بين مرو والروذ وبلخ.
- فتح خراسان (١) (سنة ٣٤ هـ/ ٦٥٢ م): ⦗٩٥⦘ لما قتل عمر بن الخطاب نقض أهل خراسان وغدروا، فلما استخلف عثمان بن عفان ولَّى عبد اللَّه بن عامر بن كريز البصرة في سنة ٢٨. ويقال ٢٩، وهو ابن ٢٥ سنة، وهو ابن خال عثمان بن عفان، ولد على عهد رسول اللَّه ﷺ، وكان كريمًا، ميمون النقيبة (٢)، فافتتح من أهل فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان، واستخلف على البصرة زياد بن أبي سفيان (٣)، وسار إلى كرمان (٤) فاستعمل عليها مجاشع بن مسعود السلمي، وأمره بمحاربة أهلها، وكانوا قد نكثوا، واستعمل على سجستان (٥) الربيع بن زياد الحارثي، وكانوا أيضًا قد نقضوا الصلح، وسار ابن عامر إلى نيسابور، وجعل على مقدمته الأحنف بن قيس (٦)، فأتى الطبَسين، وهما حصنان، وهما بابا ⦗٩٦⦘ خراسان، فصالحه أهلها على ٦٠٠. ٠٠٠ درهم، وسار إلى قهستان، فلقيه أهلها، وقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم. وبعث ابن عامر سرية إلى رستاق زام من أعمال نيسابور، ففتحه عنوة، وفتح باخرْز (٧)، من أعمال نيسابور أيضًا، وفتح جُوَين (٨)، وسبى سبيًا، ووجَّه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي من عديِّ الرباب، وكان ناسكًا، إلى بيهق من أعمال نيسابور، فدخل حيطان البلد من ثلمة كانت فيها، ودخلت معه طائفة من المسلمين، فأخذ العدو عليهم تلك الثلمة، فقاتل الأسود حتى قتل هو، وطائفة ممن معه. وقام بأمر المسلمين بعده أخوه أدهم بن كلثوم فظفر، وفتح بيهق (٩)، وكان الأسود يدعو إلى اللَّه أن يحشره من بطون السباع والطير، فلم يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه. وفتح ابن عامر بُشت (١٠) من نيسابور وأشبَنذ ورُخَّ وزاره وخوَاف وأسفرائن وأرغيان (١١) من نيسابور، ثم أتى أبرشهر وهي مدينة نيسابور، فحصر أهلها أشهرًا، وكان على كل ربع منها رجل موكل به، وطلب صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة، فأعطاه وأدخلهم إياها ليلًا، ففتحوا الباب، وتحصَّن مرزبانها في القهندز (١٢)، ومعه جماعة. وطلب الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها، فصالحه على ألف ألف درهم، وولي نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمي (١٣)، ووجَّه ابن عامر عبد اللَّه بن خازم السلمي (١٤) إلى حُمراندر من ⦗٩٧⦘ نسا (١٥)، وهو رستاق قرية ففتحه، وأتاه صاحب نسا فصالحه على ٣٠٠. ٠٠٠ درهم. ويقال: على احتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحدًا ولا يسبيه. وقدم بهمنة عظيم أبيورد (١٦) على ابن عامر فصالحه على ٤٠٠. ٠٠٠ درهم، ويقال وجه إليها ابن عامر عبد اللَّه بن خازم فصالح أهلها على ٤٠٠. ٠٠٠ درهم، ووجَّه عبد اللَّه بن عامر عبد اللَّه بن خازم إلى سَرَخْس (١٧) فقاتلهم، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على تأمين مائة رجل، وأن يدفع إليه النساء، فصارت ابنته في سهم خازم، واتخذها وسماها مَيساء، وغلب ابن خازم على أرض سرخس، ويقال: إنه صالحه على أن يؤمن مائة نفس فسمَّى له المائة، ولم يسم نفسه فقتله ودخل سَرخس عنوة، ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينة ففتحهما. وأتى كنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه على طوس على ٦٠٠. ٠٠٠، ووجَّه ابن عامر جيشًا إلى هراة عليه أوس ابن ثعلبة ويقال: خُليد بن عبد اللَّه الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إلى ابن عامر، وصالحه على هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنه فتحهما عنوة، وكتب له ابن عامر: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد اللَّه بن عامر عظيم بوشنج وبادغيس. أمره بتقوى اللَّه ومناصحة المسلمين وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين، وصالحه على هَراة. سهلها وجبلها على أن يؤدي من الجزية ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلًا بينهم، فمن منع ما عليه فلا عهد له ولا ذمة. وكتب ربيع بن نهشل وجثم بن عامر" (١٨) . وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجَّه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي، فصالحه على ألف ألف ومائتي ألف درهم. وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن عليهم قسمة المال، وليس على المسلمين إلا قبض ذلك. وكانت مرو صلحًا كلها ⦗٩٨⦘ إلا قرية منها يقال لها: السنج، فإنها أخذت عنوة. ووجَّه عبد اللَّه ابن عامر الأحنف، وهو حصن من مرو الروذ وله رستاق عظيم يعرف برستاق الأحنف، ويدعى بشق الجرد. فحصر أهله، فصالحوه على ٣٠٠،٠٠٠. فقال الأحنف: أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا، وكان الصلح عن جميع الرستاق، ومضى الأحنف إلى مرو الروذ، فحصر أهلها، وقاتلوه قتالًا شديدًا، فهزمهم المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم، وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له، فكتب إلى الأحنف أنه دعاني إلى الصلح إسلام باذام، فصالحه على ٦٠٠. ٠٠٠. ووجَّه الأحنف الأقرع بن حابس التميمي (١٩) في خيل، وقال: "يا بني تميم تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم، وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم". فسار الأقرع، فلقي العدو بالجوزجان (٢٠) فكانت في المسلمين جولة ثم كرّوا فهزموهم، وفتحوا الجوزجان عنوة. وفتح الأحنف الطالقان صلحًا، وفتح الفارياب، ثم سار الأحنف إلى بلخ، وهي مدينة طخارا فصالحهم أهلها على ٤٠٠. ٠٠٠، فاستعمل على بلخ أرسيد بن المتشمس، ثم سار إلى خوارزم، وهي من سقي النهر جميعًا ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إلى بلخ وقد جبى أرسيد صلحها. قال أبو عبيدة: فتح ابن عامر ما دون النهر، فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل. فيقال: إنه عبر النهر حتى أتى جميع مواضعه. وقيل بل أتوه وصالحوه، وبعث من قبض ذلك، فأتته الدواب، والوصفاء، والوصائف، والحرير، والثياب. ثم إنه أحرم شكرًا للَّه. ولما تم لابن عامر هذا الفتح قال له الناس: ما فتح لأحد ما فتح عليك، فارس وكرمان وسجستان وخراسان. فقال: لا جرم لأجعلن شكري للَّه على ذلك أن أخرج محرمًا من موقفي ⦗٩٩⦘ هذا فأحرم بعمرة من نيسابور. وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم. جميع هذه المدن والقرى التي مر ذكرها هي بخراسان. ولما كانت فارسية فقد يستغربها القارئ ويصعب عليه النطق بها، وقد اضطررت إلى ذكرها، لأن المسلمين فتحوها تحت قيادة عبد اللَّه بن عامر، وفتح أغلبها صلحًا، لأنهم لم يستطيعوا مقاومة المسلمين، وقد قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس. _________ (١) خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس تحدها شمالًا خيوا وشرقًا أفغانستان وجنوبًا وغربًا ولايات كرمان الفارسية وفرس ولورستان والعراق العجمي. ومن أمهات مدن خراسان نيسابور وهراة ومرو وكانت قصبتها وبلخ وطالقان ونسا. للاستزادة راجع: الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٢/ص ٦٢٠، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ١٤. (٢) ميمون النقيبة: أي مبارك النفس مظفَّرًا بما يحاول. (٣) هو زياد بن أبيه، أمير من دهاة العرب، القادة الفاتحين، الولاة، من أهل الطائف، فقيل: عُبَيد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، ولدته أمه سميّة وهي جارية الحارث بن كلدة الثقفي في الطائف سنة ١، وتبنَّاه عُبَيد الثقفي مولى الحارث بن كلدة، وأدرك النبي ﷺ ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتبًا للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري أيام إمرته على البصرة، ثم ولاه علي بن أبي طالب على فارس، ولما توفي عليّ امتنع زياد على معاوية، وتحصَّن في قلاع فارس، وتبين لمعاوية أنه أخوه من أبيه "أبي سفيان" فكتب إليه بذلك، فقدم عليه وألحقه معاوية بنسبه سنة ٤٤ هـ، قال الأصمعي: أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش عليها اسم "اللَّه" ومحا عنها اسم الروم ونقوشهم، زياد. للاستزادة راجع: ابن خلدون ج ٣/ص ٥، ابن الأثير الكامل في التاريخ ج ٣/ص ١٩٥، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج ٦/ص ١٦٢، تهذيب ابن عساكر ج ٤/ص ٤٠٦، ميزان الاعتدال ج ١/ص ٣٥٥، لسان الميزان ج ٢/ص ٤٩٣، البدء والتاريخ ج ٦/ص ٢، خزانة الأدب ج ٢/ص ٥١٧، الذريعة ج ١/ص ٣٣١، عقود اللطائف. (٤) كرمان ولاية بين فارس، ومكران، وسجستان، وخراسان. (٥) سجستان بينها وبين كرمان ١٣٠ فرسخًا. (٦) هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حُصين المرِّي السعدي المنقري التميمي، أبو بحر، سيد تميم، أحد العظماء الدهاة، الفصحاء الشجعان الفاتحين، يضرب به المثل في الحلم، ولد في البصرة سنة ٣ ق. هـ أدرك النبي ﷺ ولم يره، شهد فتوح خراسان وقال ياقوت في معجم البلدان ج ٣/ص ٤٠٩: "أنقذه عمر سنة ١٨ هـ، لغزو خراسان، فدخلها وتملَّك مدنها، وهرب منه يزدجرد بن شهريار ملك الفرس إلى خاقان ملك الترك بما وراء النهر، اعتزل الفتنة يوم الجمل، ثم شهد صفِّين مع عليّ، ولمَّا انتظم الأمر لمعاوية عاتبه، فأغلظ له الأحنف في الجواب، فسُئل معاوية عن صبره عليه، فقال: هذا الذي إذا غضب، غضب له مائة ألف لا يدرون فِيمَ غضب. كان صديقًا لمصعب بن الزبير، وفد الكوفة وتوفي فيها سنة ٧٢ هـ وهو عنده. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج ٧/ص ٦٦، ابن خلكان ج ١/ص ٢٣٠، ذكر أخبار أصبهان ج ١/ص ٢٢٤، جمهرة الأنساب ص ٢٠٦، تهذيب ابن عساكر ج ٧/ص ١٠، تاريخ الخميس ج ٢/ص ٣٠٩، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٣/ص ١٢٩. (٧) بين نيسابور وهراة. (٨) يسميها أهل خراسان كوبان، بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ. (٩) من أعمال نيسابور. (١٠) سميت بذلك: لأنها كالظهر لنيسابور. والظهر باللغة الفارسية يقال له: بشت. (١١) كورة من نواحي نيسابور. (١٢) القهندز: كالحصن، تعريبها معناه: القلعة العتيقة. (١٣) هو قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت بن حبيب السلمي، من الخطباء الشجعان، من أعيان البصرة في صدر الإسلام، كان من أنصار بني أمية فيها، ثم قام بدعوة عبد اللَّه بن الزبير، وصحب أخاه مصعبًا في ثورته، إلى أن قُتل، فتوجَّه إلى عبد الملك بن مروان، فعفا عنه وأكرمه، توفي سنة ١٨٨ هـ بالبصرة. للاستزادة راجع: النووي ج ٢/ص ٦٤، ذيل المذيل ص ٣٥، والمرزباني ص ٣٣٣، الإصابة ج ٣/ص ٢٣٥. (١٤) هو عبد اللَّه بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي البصري، أبو صالح، أمير خراسان، له صحبة، كان من أشجع الناس، أسود اللون، كثير الشعر، يتعمم بعمامة خزّ سوداء، يلبسها في الجُمع والأعياد والحرب، ويقول: كسانيها رسول اللَّه ﷺ، قال البغدادي: هو غربان العرب في الإسلام، له فتوحات وغزوات، ولي إمرة خراسان لبني أمية، واستمر عشر سنين، وفي أيامه كانت فتنة ابن الزبير، فكتب إليه ابن خازم بطاعته، فأقره على خراسان، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته، فأبى، فلما قُتل مصعب بن الزبير بعث إليه عبد الملك برأسه فغسله وصلى عليه، ثم انتقض عليه أهل خراسان، فقتلوه، وأرسلوا رأسه إلى عبد الملك سنة ٧٢ هـ. (١٥) مدينة بخراسان، ينسب إليها النسائي صاحب السنن. (١٦) أَبِيوَرْد: مدينة بخراسان بين سرخس ونسا. (١٧) ويقال بالتحريك والأول أكثر: مدينة قديمة بين نيسابور ومرو صحيحة التربة كثيرة المراعي، قليلة القرى. (١٨) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٣/ص ٦٠. (١٩) هو الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي الدارمي التميمي، صحابي، من سادات العرب في الجاهلية، قدم على رسول اللَّه ﷺ في وفد بني دارم من تميم، فأسلموا، وشهد حنينًا وفتح مكة والطائف، سكن المدينة، وكان من المؤلفة قلوبهم، ورحل إلى دومة الجندل في خلافة أبي بكر، وكان مع خالد بن الوليد في أكثر وقائعه حتى اليمامة، واستشهد بجوزجان سنة ٣١ هـ، ومن المؤرخين من يرى أن اسمه فراس، وأن الأقرع لقب له، لقرع كان برأسه، للاستزادة راجع: ابن عساكر ج ٣/ص ٨٦، ذيل المذيّل ص ٣٢، خزانة الأدب للبغدادي ج ٣/ص ٣٩٧، عيون الأثر ج ٢/ص ٢٠٥. (٢٠) جَوْزَجان: اسم كورة واسعة من كور بلخ بين مرو والروذ وبلخ.
1 / 93