Usman Ibn Affan: Tsakanin Khalifanci da Mulki
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Nau'ikan
اختلف أهل الشورى وارتفعت منهم الأصوات فدخل عليهم أبو طلحة وقال لهم: أنا كنت لأن تدافعوها أخوف مني لأن تنافسوها، لا والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم، ثم أجلس في بيتي فأنظر ما تصنعون. ومع ذلك ظل الخلاف متصل الحدة يوما كاملا في رواية، ويومين كاملين في رواية أخرى. وخشي عبد الرحمن بن عوف تفاقمه وما يؤدي إليه هذا التفاقم من نتائج تخشى عواقبها، فقال للمجتمعين: «أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم.» ونظر إليه القوم وقد تولتهم الدهشة. فأي كلام هذا؟! إنهم يتنازعون أشد النزاع يريد كل أن تكون الخلافة له. فكيف يريد عبد الرحمن أن يتنزل أحدهم عن مطمعه ليكون حكما بينهم يوما أو يومين، ثم لا يكون له بعد ذلك في الخلافة نصيب؟!
لكن دهشتهم لم تطل مداها؛ فقد أسرع عبد الرحمن فقال: «فأنا أنخلع منها.» وأسرع عثمان فأجابه: «أنا أول من رضي.» وقال سعد والزبير: «قد رضينا .» وإذ كان طلحة غائبا فلم يبق إلا أن يصرح علي بن أبي طالب عن رأيه. لكن عليا بقي ساكتا لا يقبل ولا يرفض. فلعله ظن هذا الصنيع من عبد الرحمن خدعة أراد بها أن يمهد الطريق لتولية صهره عثمان، فسكت يفكر فيما يفسد به هذه الخدعة. لكن عبد الرحمن لم يمهله ليدبر الرأي في نفسه بل سأله: «ما تقول يا أبا الحسن؟» وأبدى علي ريبته في صنيع ابن عوف بقوله: «أعطني موثقا، لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى، ولا تخص ذا رحم، ولا تألوا الأمة نصحا»، فسارع عبد الرحمن فأجاب في غير تردد: «أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدل وغير، وأن ترضوا من اخترت لكم، وعلي ميثاق الله أن لا أخص ذا رحم لرحمه، ولا آلو المسلمين نصحا.»
أي داع دعا عبد الرحمن لأن يسلك هذا المسلك؟ لقد كان يعلم أن كثيرين من المسلمين يرشحونه للخلافة، وأن العرب كانت ترضاه مطمئنة لسابقته؛ ولتظل الخلافة بعيدة عن بني هاشم وبني أمية. أفكان صدق الرغبة عن تولي الخلافة منذ كاشفه عمر رغبته في أن يعهد إليه؟ ما باله إذن قبل أن يكون في الشورى، وما له لم يتنح منذ اللحظة الأولى عن الاشتراك مع أهلها؟ يذهب المؤرخون المسلمون إلى أنه لم يكن يرفض أن يكون في الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض، وأن رغبته عن الخلافة كان ميسورا تحقيقها مع وجوده فيمن اختارهم عمر. وهذا صحيح. ويذهب بعض المستشرقين إلى أنه أراد أن ينخلع من الترشيح وأن يجعل تولية الخليفة لنفسه ليولي صهره عثمان، ويحتجون لذلك بقول علي لعمه العباس: «وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان، فيولي أحدهما الآخر.» بل إن جماعة منهم ليسرفوا في الظن فيزعمون أن عبد الرحمن لم يكن يحسب أن يطول العمر بعثمان، وكان يومئذ قد بلغ السبعين وأن أعباء الخلافة كانت لا شك تهيضه، وأنه عند ذلك يستخلف عبد الرحمن لا محالة. وهذا الإسراف في المظنة لا مسوغ له، فعبد الرحمن كان مؤمنا صادق الإيمان، يعلم أن لكل أجل كتابا
فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . أما صهره لعثمان وما قد يميل ذلك به إلى إيثار ابن عفان على علي فاستنتاج قد يغري بتصديقه ما حدث بالفعل من تولية عبد الرحمن عثمان. لكنه لا يعدو أن يكون استنتاجا قد يشوبه الخطأ. والطريقة التي اتبعها عبد الرحمن في اختيار الخليفة لا تجعل لهذا الاستنتاج محلا.
فقد كان عبد الرحمن يعلم أن عليا وعثمان هما المتنافسان الأساسيان؛ ولذلك سعى لحصر الترشيح فيهما، وأول ما صنع من ذلك أن خلا بعلي وقال له: «تقول إنك أحق من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين، ولم تبعد، ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق بالأمر؟» فأجابه علي: عثمان. ثم إنه خلا بعثمان وقال له: «تقول شيخ من بني عبد مناف، صهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وابن عمه، لي سابقة وفضل، ولم تبعد، فلم يصرف هذا الأمر عني؟ ولكن لو لم تحضر، أي هؤلاء الرهط تراه أحق به؟» وأجابه عثمان: علي. وكان عبد الرحمن قد طلب إلى الشورى أن يفوض ثلاثة منهم ما لهم من حق في ولاية الأمر إلى ثلاثة: ففوض الزبير ما له من حق فيها إلى علي، وجعل سعد حقه إلى عبد الرحمن، وترك حق طلحة لعثمان. أما وقد خلع عبد الرحمن نفسه فقد انحصر الترشيح في علي وعثمان، وأصبح الأمر في اختيار أحدهما معلقا في عنق عبد الرحمن.
أتراه يستخير الله ويقضي بينهما أيهما أفضل فيوليه؟ لقد كان في حل من أن يفعل أن أعطى القوم ميثاقه وأخذ منهم ميثاقهم. لكنه خشي إن هو استقل برأيه أن لا تقره عليه كثرة المسلمين الذين اجتمعوا بالمدينة من أنحاء الإمبراطورية الإسلامية المختلفة بعدما أدوا فريضة الحج، ثم أمسكهم مقتل عمر في انتظار ما تسفر عنه الشورى؛ لذلك جعل يلقى أصحاب رسول الله ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد ورءوس الناس يسألهم جميعا، مثنى وفرادى، مجتمعين ومتفرقين، سرا وعلانية، حتى يجتهد في أفضل الرجلين فيوليه.
يجمع المؤرخون على أن مشاورات عبد الرحمن أسفرت عن كثرة تشبه الإجماع في صف عثمان، لكنهم يختلفون في الأسباب التي جمعت هذه الكثرة حوله. يقول بعضهم: إن الناس مالوا إلى رجل لا يكون كعمر بطشا وشدة وانصرافا عن الدنيا وصرفا للناس عنها، وإن عثمان كان هذا الرجل ولم يكنه علي؛ لذلك رغبوا عن ابن أبي طالب مخافة أن يحملهم على ما كان عمر يحملهم عليه. ويذهب البعض إلى أن مشاورات عبد الرحمن استمرت يومين وليلتين، كان بنو هاشم وبنو أمية يقوم كل منهما أثناءها بالدعاية لصاحبه. وإذ كان بنو أمية أكثر عددا وأوفر مالا وأسخى يدا فقد طغت دعايتهم على دعاية الهاشميين ومالت بالكثرة الكبرى إلى ناحية عثمان. فإذا صح هذا فلعل الدعاية الأموية قامت على أن الأمر إذا آل لصاحبهم وسع على الناس، وتركهم ينعمون بما تدره مغانم الفتح من أسباب المتاع ولم يبطش بهم بطش عمر. وفي رأي ثالث أن الناس رأوا عثمان ناهز السبعين أو جاوزها ولم يكن علي قد بلغ الستين، وذكروا صحبة عثمان لرسول الله ومواقفه منه، ثم رأوا خلافته غير مانعة عليا أن يكون الخليفة من بعده، فكان عطفهم على شيخوخته وتقديرهم ماضية سبب ميلهم إليه واختيارهم إياه.
وأيا ما صح من هذه الأسباب فقد كانت الكثرة التي تشبه الإجماع واضحة في صف عثمان، مع ذلك خشي عبد الرحمن بن عوف أن يتهمه أنصار علي إن هو أعلن هذه النتيجة، فذهب إلى دار ابن أخته المسور بن مخرمة فأيقظه، وقد مضى أكثر الليل من تلك الليلة الأخيرة التي فرضها عمر لاختيار أمير المؤمنين، وطلب إليه أن يدعو له عليا وعثمان، فلما أقبلا قال لهما: إني سألت الناس فلم أجدهم يعدلون بكما أحدا، ثم أخذ العهد على كل منهم لئن ولاه ليعدلن، ولئن ولي عليه ليسمعن وليطيعن.
Shafi da ba'a sani ba