فتمتم فريد بصوت مختنق قائلا: أما أنا فأعرف واحدا يحبك يا حضرة الفتاة!
فأجابته محدقة فيه: هذا أنت! لقد حزرت ذلك قبل الآن ... فاسمع: أنت لا تزال حديث السن يا فريد وعمرك لا يزيد عن عمري أكثر من سنة واحدة؛ فيجب علي أن أصبر حتى تعود من الجندية. إلا أني لا أجهل خصالك الشريفة ومزاياك، فهي أسمى من جواذب لبيب راغب المتكبر، تلك الجواذب الخارجية التي لا جوهر لها؛ نعم، إني بحاجة إلى حبك يا فريد! ... فمد لي يدك واتخذني خطيبة لك! ...
ثم بسطت له يدها فأخذها بيد مضطربة وعيناه تنثران الدموع وقال: أنت خطيبتي! أنت خطيبتي! ...
وكانت أسراب النحل توارت في الفضاء المعطر بنكهة الثمر والخوخ المتساقط من الأشجار.
6
باع أديب أراضيه الواسعة وكرومه العديدة ولم يبق له إلا بقعة صغيرة من الأرض عزم أن يشتغلها مع امرأته؛ عند هذا ألقيت مصالح البيت على عاتق الفتاة، فاضطرت أن تقوم بغسل الصحون وتنظيف النوافذ ونشل الدلاء من البئر حتى إنها سئمت هذه الحياة التي لم تتعودها، فأصبحت تغفل كنس بعض الزوايا القذرة وترتيب الثياب وإعداد الأواني، ولا تنتبه إلى ملحوظات أمها في ذلك.
أما الفتيات فكن يستغربن توددها إلى فريد الذي كانت تزدريه فيما مضى فيقلن في نفوسهن: إن فقر والديها بدل طباعها القديمة وقادها إلى الإدراك، فأطماعها الماضية قد انطفأت اليوم وأصبحت لا تنظر إلى أعلى من مستواها.
وأما جميل هاني الذي لم يكن قد انتهى إليه اتفاقها مع فريد فقد حاول أن يعود إلى التحبب إليها.
ففي ذات يوم بينما كانت الفتاة واقفة في غرفة الانتظار في المحطة تترقب حضور البريد فتح الباب وبرز منه رأس جميل هاني، فانفتلت الفتاة من مكانها إلا أنه تقدم إليها باسما وقال: لماذا تتبرمين مني يا حضرة الآنسة؟ - لأنك حردت علي منذ سنتين. - لا، لم أحرد عليك مع أنه كان يحق لي ذلك. ألم ترفضي يدي؟ ألم تكرهي قربي؟ ألم يزعجك وجودي في منزلك؟ - إن أحقاد الرجال لشديدة! والذي تقوله لي الآن قديم جدا يا سيد هاني. - أما جمالك الذي يزداد يوما عن يوم فليس بالقديم يا حضرة الآنسة.
فاحمر وجه الفتاة من شدة الفرح وقالت: ولكن البعض يقولون: إنني نحلت وأصبحت شاحبة اللون ... - نعم، وسبب ذلك هو أن من يكون في عمرك يحتاج إلى سلوى، فأنت تصرفين أيامك بالحزن والكآبة كالزاهدات. اسمعي، فستقام في الأحد القادم حفلة لطيفة في جونية فهل تحضرين؟ - لقد وعدني والدي بأن يصحبني معه. - إذن فذكريه بالوعد ولا تحرميني من الرقص معك في الحفلة. - بطيبة خاطر. - وهل تحقق لك الآن أنني سليم من الأحقاد؟ - بدون شك!
Shafi da ba'a sani ba