ففي أيام الفرص الكبيرة كان يقدم نفسه ليقضي حاجات جيرانه، ويصحب السيد نجيبا إلى مكتبه حيث يعاونه في بعض أشغاله؛ وبالأخص كان يبادر إلى السيدة فارس التي تبنته ويساعدها فيما تحتاج إليه. إلا أن هذه الخدم القليلة لم تكن ترضيه؛ لأن قلبه المفعم بالجميل كان يتحسر لعجزه عن القيام ببعض ما يجب عليه.
وكان مرارا يقول للسيدة فارس: أود من صميم قلبي أن أجعلك سعيدة يا أمي، ولكن لا أعرف كيف؟
فتقول له هذه: إنه من أسهل الأمور، فما عليك إلا أن تجتهد في دروسك وتكون عاقلا وديعا ومخلصا للجميع.
كان الولد محبا للإخلاص، فكثيرا ما قال في نفسه: إذا كنت غير مخلص فأنا وحشي! أأجرؤ أن أتكاسل وأحزن امرأة سهرت علي وتعهدتني بحنو وشفقة؟ آه! إنني لساع إلى إرضائها والنزول عند رغباتها؛ ولكن هذا لا يكفي، فيجب أن أسعدها، أجل، ولكن ما السبيل إلى ذلك؟
مشكل تنحط عن حله عقلية ولد لم يتجاوز الثانية عشرة من سنيه! ولم تسمح له تربيته الأولية بأن يدرك دقائق القلب!
بقي فريد المسكين يبحث عن حل لهذه المسألة ضاربا أخماسا بأسداس وقد تراءت له حالة فارس كما هي، وأخذ يجتهد في معرفة ما يشقي هذه العائلة لعله يتوصل إلى تخفيفه، ولكنه لم يكتشف شيئا؛ لأن عائلة فارس كانت طلقة الوجه ذات سيماء تدل على سعادة ورغد. فالصغيرة الزرقاء وأخواها الصغيران كانوا يتمتعون بهناء لا يلامسه كدر، وكان والداهم يشتغلان بدون سأم ويتوقعان نجاحا فوق نجاحهما.
لبث فريد يراعي حلما مستحيلا!
يجب على من يود أن يسبب سعادة لمن يحب أن يكون كبيرا قادرا على ذلك؛ فغدا عندما يصبح الفتى موظفا في الشركة ويتسع له أن ينتج مالا من عرق جبينه يرى نفسه قادرا أن يساعد فارس ويرفع الهدايا الثمينة إلى التي تبنته وإلى أولادها الثلاثة الأحداث ...
في المساء كانت أفكار مزعجة تتناوب فريدا في فراشه؛ فيتراءى له بعيدا ذلك اليوم الذي به يرى نفسه رجلا قادرا على العمل والإنتاج، ويخيل إليه أنه سيموت قبل بلوغ مقصده، قبل أن يفي بعض ما عليه من الدين، قبل أن يتمكن من إظهار شواعره المختبئة في أقصى خفايا نفسه للذين تبنوه وعطفوا عليه، إن الأحداث السريعي التأثر يشعرون دائما بمثل هذه الكآبة؛ لأنهم ضعفاء لا يستطيعون؛ لأن غبطة العمل محظرة عليهم؛ لأن لهم أماني كبيرة لا يقدرون على تحقيقها!
ذات أحد من أيام الشتاء كانت السيدة فارس عائدة من القداس إلى منزلها، وبالقرب منها وحيدتها الزرقاء فسألتها هذه: لماذا والدي لا يأتي معنا إلى الكنيسة كل أحد يا أم؟ فالكاهن قال: إن من الخطايا الكبيرة أن يخطئ الإنسان حضور القداس يوم الأحد ... فاصفرت السيدة فارس وأجابت ابنتها: ذلك لأن عمله لا يسمح له يا عزيزتي، فالقطارات يجب أن تسير دائما ... إن الله لا يأخذ عليه تغيبه هذا، ولكن يجب علينا أن نصلي لأجله في كل حين ... لأجله ولأجلنا أيضا ...
Shafi da ba'a sani ba