فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ (١) وقال أحمد بن حضرويه (٢) (ض): الدليل لائح والطريق واضح، والداعي قد أسمع، فما التحير بعد هذا إلا من العمى، وفال ابن عطاء الله (٣) (ض) في حكمه: لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك، وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك، وقال أيضا: تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال، وقال بعضهم: نحت الجبال بالأظافير أيسر من زوال الهوى إذا تمكن، قال الله تعالى: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم﴾ (٤) الآية، وقوله تعالى:
﴿فمن يهديه من بعد الله﴾ (٥) يعني أن الأسباب والحيل لا تفيد في هدايته لتمكن الباطل من نفسه، وفقدان نور الإيمان من قلبه، ﴿ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور﴾ (٦).
الثاني: الجهل بأصول الطريقة، واعتقاد أن الشريعة خلاف الحقيقة، وهذا هو الأصل الكبير في ذلك، وهو من مبادئ الزندقة، ومنه خرجت الطوائف كلها، وصار الفروعي الجامد لا يتوقف في سب الصوفية، والمتصرف الجاهل لا يتوقف في النفور من العلم وأهله، ويخالف ظاهر الشريعة في أمره، ويرى ذلك كمالا في محله، حتى لقد سمعت عن بعض من تفقر من طلبة الوقت يحكى أنه سمع حكاية من حكايات الخارجين أوجبت أثرا في الوجود، فنطق ناطق زندقته وجهله، بأن قال: ظاهر الشريعة (٧) حرمان، وهذا والعياذ بالله كفر وضلال، انجر له من جهله بالطريقة واعتقاده
_________
(١) الأنعام ١٥٣.
(٢) كنيته أبو حامد، من كبار مشايخ خراسان (ت ٢٤٠) طبقات الصوفية ١٠٣.
(٣) هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله أبو العباس، كان جامعا للعلوم (ت ٧٠٩) الديباج ٧٠.
(٤) الجاثية ٢٣.
(٥) الجاثية ٠٢٣
(٦) النور ٤٠.
(٧) الشريعة العمل بالكتاب والسنة والحقيقة مشاهدة الربوبية ورؤيتها بالقلب، وكلاهما مقيد بالآخر. انظر الرسالة القشيرية ص ٤٤.
1 / 43