Ciqd Mufassal
العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
وهنّى به المجد وفّاده ... وبشَّرها الشرف الواضح
فقالوا جميعًا وقد أرّخوا ... نرى ولد الخلف الصالح
عاش ستًّا وثمانين سنة، وتوفي سنة ١٢٨٧، فانهدّت لمماته قواعد الزوراء، وحمل باحتفا عظيم إلى النجف الأشرف، ودفن حيث قبور أُسرته اليوم، وأرّخت عام وفاته بقولي:
إن يطو مصباح المكارم ضارح ... فلقد أضائت في علاه مصابح
ملك له الشرف الرفيع مشيّع ... وعليه حتّى المكرمات نوائح
شكت العفاة لدائه لمّا شكى ... وقضى فالخد والقلوب ضرائح
مَنْ جاره هود دعاه فأرّخوا ... أسعد جوارك ذا محمّد صالح
أنجب هذا الماجد أولادًا أكبرهم: المهدي، ولد سنة ١٢١٩، وكان مذ ترعرع فريد زمانه، في كرمه وإحسانه، وواحد عصره فيى شرف نفسه وفخره، قد برع في البلاغة والفصاحة، واشتهر من كرم أخلاقه بالسجاحة والسماحة، جامعًا بين نباهة الذكر، وجلالة القدر، عاش اثنين وخمسين عامًا، وتوفي في حياة أبيه سنة ١٢٧١، وقد أرّخت عام وفاته بقولي:
ألا بكّر الناعي بثاو بنانه ... توسّده المعروف تحت ثرى اللحد
وعاش الهدى فيه ومات بموته ... فأرّخ معًا غاب الهدى وهو المهدي
واستقلّ بعده بجميع تلك التكاليف وتدبير أموره الزعامة أخوه محمّد الملقّب ب "الرضا"، ولد سنة ١٢٤٥، وكان أرقّ طبعًا من الهواء، وأطهر من ماء السماء، إن سكت فوقار مهاب، وإن نطق ففصل خطاب، توفي في حياة أبيه الصالح أيضًا سنة ١٢٨٢، وقد أرّخت عام وفاته بقولي:
وقف المجد ناعيًا عند قبر ... وارت المكرمات فيه حشاها
ودعا أنت جنّة قلت أرّخ ... طاب مأوى نعيمها لرضاها
ثمّ انتهت بعده الرياسة في تلك المكارم إلى أخيه المصطفى، وكانوا كما قال الناظم:
نجوم سماء كلّما انقضّ كوكب ... بدى كوكب تأوي إليه الكواكب
ولد هذا الماجد سنة ١٢٥٥، وها هو اليوم قمر دارة المجد، وقطب دائرة الثناء والحمد، تشدّ إليه الرحال، وتكثر عليه مزاحمة الآمال.
أمّا أخوهم محمّد الملقّب ب "الحسن" المعنيّ في هذا الكتاب فقد ولد سنة ١٢٦٩ ولا غرو أن أستمل الفكر حتّى يمل، وأستنطق لسان القلم حتّى بكل، في ذكر مناقب هذا الهمام الماجد، ولعمري إنّ مناقبه في الإنارة لتباهي الكواكب السيّارة، علم جم، وأدب وافر، وفضل باهر، وشرف نفس، وعلوّ جدّ، وصراح حسب، وصريح مجد، وببشاشة ونبل، مع طلعت ميمونة، ووجه أنقى من صفحة مرآة، وعرض أملس من صفاة، ولقد رأى ولرأيه الإصابة، أن لا يؤثر خبر الجود إلاّ عمّن أنسى عرابه، ولا يقال جلى في حلبه المكارم وإلاّ من غبر في وجه حاتم، فصقل بجوده حسبه، وأشاع له فرندًا تقتبس المكارم من أشعّته الملتهبة، وبالآخرة أقول أنّ مناقب هذا الهمام لا تحصى، ومزاياه الحميدة لا تستقصى، ولا أقول فيها ما قال أبو تمام:
إذا شئت أن تحصى فضائل كفّه ... فكن كاتبًا أو فاتّخذ لك كاتبًا
فلقد عيب عليه ذلك لما جاء عن الحكماء: لا خير في المعروف إذا أُحصي.
وقال بعضهم: إذا أحصي المعروف فقد حصر، وإذا حصر فقد وقف على غاية، ولا يكون ذلك إلاّ مع القلّة.
وقال أبوبكر الصولي على تعصّبه لأبي تمام وتفضيله له: إنّ هذا البيت لم يقع له جيّدًا.
أقول: وربّما يعتذر له بتخريج معنىً وإن كان بعيدًا وذلك أن يقال إنّه أراد بلفظتي "كاتب" في البيت "المَلَك الحفيظ" مبالغةً في كثرة فضائل كفّه حيث جعل إحصائها غير ممكن للبشر، بل لا يحصيها إلاّ الملك الحفيظ أو من شأنه أن يتّخذ كاتبًا بهذا المعنى، فهو يقول لمن يخاطبه: إذا أردت إحصاء فضائل كفّه فذلك متعذّر عليك إلاّ أن تكون من الحفظة الكاتبين أو تتّخذ لك كاتبًا منهم لأنّ إحصائها خارج عن طوق البشر، ولعلّ هذا المعنى أليق وأنسب بالبيت الذي قبله وهو:
لو اقتسمت أخلاقه الغرّ لم تجد ... معيبًا ولا خلقًا من النّاس عائبا
لأنّه جعل حسن أخلاقه يفضل على جميع الناس لو اقتسمتها، فكيف يجعل واحدًا منهم يحصي فضائل كفّه؟ وممّا يبعث انقداح المعنى الذي ذكرناه في الذهن قول أبي الطيب المتنبّي، وكأنّه نظر إليه فقال:
خذ من ثناي عليك ما أسطيعه ... لا تلزمنّي من ثناك الواجبا
فلقد دهشت لما فعلت ودونه ... ما يدهش الملك الحفيظ الكاتبا
1 / 59