فقال جرير: بل لم أدر كيف أقول، فوثب عدي إلى رجل الوليد يقبّلها وقال: أجرني منه، فقال الوليد لجرير: إن ذكرته في شعرك لأسرجنّك ولألجمنّك حتّى يركبك فيعيرك بذلك الشعراء.
وأظنّ أنّ من تتمّة هذه القصّة ما هذا مضمونه: إنّ جريرًا لمّا خرج من عند الوليد وإلى جنبه عدي، قال لمن على الباب: كدت أخرج إليكم وهذا القرد على عاتقي.
وقيل لبعض صبيان الأعراب: ما اسمك؟ قال: قراد، قيل: لقد ضيّق عليك أبوك الإسم، قال: إن ضيق الإسم لقد أوسع الكنية. قيل: ما كنيتك؟ قال: أبو الصحاري.
ونظر المأمون إلى غلام حسن الوجه في الموكب، فقال له: ما اسمك؟ قال: لا أدري، قال: يا غلام أو يكون أحد لا يعرف اسمه؟ فقال: يا أميرالمؤمنين اسمي الذي أُعرَفُ به "لا أدري"، فقال المأمون:
وسمّيت لا أدري لأنّك لا تدري ... بما فعل الحبّ المبرح في صدري
ومن أبيات المعاني:
وحللت من مضر بأمنع ذروة ... منعت بحدّ الشوك والأحجار
قالوا: يريد بالشوك أخواله وهم قتادة وطلحة وعوسجة، وبالأحجار أعمامه وهم صفوان وفهر وجندل.
وجمع ابن دريد ثمانية اسماء في بيت واحد وهو قوله:
فنعم أخ الجلى ومستنبط الندى ... وملجأ مكروب ومفزع لاهث
عياذ بن عمرو بن الجليس بن عامر بن زيد بن منظور بن زبد بن وارث وقال بعضهم:
لعمرك ما الأسماء إلاّ علامة ... منار ومن خير المنار ارتفاعها
وقال الفرزدق:
وقد تلتقي الأسماء في النّاس والكُنى ... كثيرًا ولكن ميّزوا في الخلائق
وقال البحتري:
وإذا الأنفس اختلفن فما ... يغني اتّفاق الأسماء والألقاب
قال الزمخشري في ربيع الأبرار: إعلم أنّ الإسم كلّما كان غريبًا كان أشهر لصاحبه وأمنع من تعلّق النبز به، كما سمّيت "اسما" بنت أبي بكر "ذات النطاقين"، وقد صارت لها هذه الصفة علمًا بالتغليب بحيث لم يوجد في نظم الشعراء من وصف به غيرها من النساء، وسمّيت بذلك لأنّها كانت تطارق نطاقًا فوق نطاق عند معاناة الأشغال، أو كانت تظاهر بين نطاقين لزيادة التستّر، أو غير ذلك ممّا هو منقول في محلّه.
قال ابن الأثير في نهايته: المنطق النطاق وجمعه مناطق وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثمّ تشدّ وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل لئلاّ تعثر في ذيلها، وهذا أليق بالقول الأوّل وهو أنّها تصنع ذلك عند معاناة الأشغال.
وفي القاموس: المنطقة كمكنسة ما ينتطق به وكمنبر وكتاب شقّة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها فترسل الأعلا على الأسفل إلى الأرض، والأسفل ينجرّ على الأرض ليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان، وانتطقت لبستها.
قوله: ولا نيفق، نيفق السراويل، الموضع المتّسع منها، وهذا أليق بالوجه الثاني وهو أنّها تصنع ذلك لزيادة التستّر.
وكما سمّيت هنيدة بنت صعصعة "ذات الخمار" وهي عمّة الفرزدق، وكانت تقول: من جاءت بأربعة كأربعتي من نساء العرب يحلّ لها أن تضع خمارها عندهم فصرمتي لها: أبي صعصعة، وأخي غالب، وخالي الأقرع بن حابس، وزوجي الزبرقان بن بدر.
قولها: فصرمتي لها، الصرمة بكسر الصاد وسكون الراء القطعة من الإبل.
وكما سمّي الإسكندر "ذاالقرنين" من حيث ملك الشرق والغرب. وقيل: لكونه رأى في النوم أنّه أخذ بقرني الشمس، أو غير ذلك ممّا ذُكر.
وكما سمّي خزيمة "ذا الشهادتين" وسبب تسميته بذلك أنّ النبي ﵌ استقضاه يهودي دينارًا، فقال له: أولم أقضك؟ فطلب البيّنة، فقال لأصحابه: أيّكم يشهد لي؟ فقال خزيمة: أنا يا رسول الله، فقال: وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه؟ فقال: يا رسول الله إنّا نصدّقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدّقك أنّك قضيته، فأنفذ شهادته وسمّاه بذلك لأنّه صيّر شهادته شهادة رجلين.
وكما سمّي قتادة بن النعمان "ذا العينين" وسبب ذلك أنّه اُصيبت عينه يوم اُحد فسقطت على خدّه، فردّها رسول الله فكانت أصحّ وأحسن من الاُخرى وكانت تعتلّ الباقية ولا تعتل المردودة، فقيل له ذا العينين أي له عينان مكان الواحدة.
وكما يُسمّى الجارح من الطير "ذا النظرتين" لأنّه ينظر ثمّ يطأطأ فإذا أثبت الصيد مكانه قصده.
وكما يُسمّى الجاسوس من الطّير "ذا العينين".
1 / 4