وحكى أبوالفرج في الأغاني: إنّ رملة بنت عبد الله بن خلف وكانت ضرّة عائشة عند عمرو بن عبيد الله قالت ذات يوم لمولاة عائشة: أريني عائشة إذا كانت متجرّدة ولك عندي ألف، فأخبرت عائشة بذلك، ثمّ قامت عائشة كأنّها تغتسل، فأقبلت رملة ورأتها مقبلة ومدبرة، فلمّا فرغت من ذلك أعطت مولاتها الألف وقالت لها: وددت أنّي أُضاعف لك العدد ولم أكن رأيتها.
وذكر صاحب كتاب نثر الدرر قال: لمّا تزوّج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة حمل إليها ألف ألف درهم؛ خمسمائة ألف مهر وخمسمائة ألف هديّة، وقال لمولاتها: لك ألف درهم إن دخلت بها الليلة، فأمر بالمال فحمل إلى عائشة وغطّي بالثياب، فخرجت عائشة فرأته فاستكثرته وظنّته فراشًا وثيابًا، فسألت مولاتها فأعلمتها أنّه مال فاستكثرته وتبسّمت، فقالت لها مولاتها: ما جزاء من حمل هذا أن يبيت وحده، فقالت لها: وهو كذلك ولكن لا يجوز الدخول إلاّ بعد أن أتهيّىء وأتزيّن، فقالت لها: والله إنّ وجهك لأحسن من كلّ زينة، ولا تحتاجين إلى شيء من طيب أو حلى إلاّ وهو عندك، وأكبّت على رجليها تقبّلهما وتطلب منها أن يكون دخوله بها تلك الليلة، فقالت لها: ويحك كيف يكون هذا بهذه السرعة؟ فصدّقتها الخبر وأعلمتها بما جعل لها مصعب من المال، فأمرتها أن تأذن له، فسار إليها من ليلته وأدنى إليه طعام فأكله كلّه حتّى أعرى الخوان منه، ثمّ سأل عن المتوضّأ فأُخبر فقام فتوضّأ ثمّ صلّى ثمّ قام فأسبل الستر وأقام معها حتّى نال منها سبعًا تلك الليلة، ولم يكن عند عائشة أحظى منه في أزواجها، وكان ينال ما يشاء منها عفوًا من دون مناكرة. وذكر هذه الحكاية أبوالفرج في الأغاني وأنّها جرت لها مع عمرو بن عبد الله بن معمر وكان قد تزوّجها بعد مصعب بن الزبير.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قيل لنعيمان المخنَّث: كيف رأيت عائشة بنت طلحة؟ قال: أحسن البشر، قيل له: صفها، قال: تناصف وجهها في القسامة، وتجزّء معتدلًا في الوسامة.
قوله: تناصف وجهها في الوسامة أي أخذ كلّ موضع منه حظّه من الحسن، لم ينفرد بالحسن موضع دون الآخر فيغبن أحد الموضع حظّه. والقسامة الحسن، وهذا أيضًا معنى الفقرة الثانية أي إنّ وجهها أجزاء متساوية في الحسن لا يزيد جزء على جزء، ولقد وصف فأجز وبالغ.
وحدّث حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها فعاتبها مصعب في ذلك فقالت: إنّ الله تعالى وسمني بميسم الجمال فأحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم، فما كنت لأستره. فكان مصعب إذا عزم عليها في الإستتار استترت وإذا سكت عنها أسفرت وباشرت الناس.
وحكى صاحب كتاب نثر الدرر قال: لمّا زفّت عائشة بنت طلحة إلى زوجها مصعب بن الزبير سمعت منها امرأةٌ وهو يجامعها شخيرًا وغطيطًا في الجماع لم تسمع مثله، فقالت لها في ذلك، فقالت لها عائشة: إنّ الخيل لا تشرب إلاّ بالصفير.
قلت: وقد نظم بعض الشعراء قولها: إنّ الخيل لا تشرب إلاّ بالصفير، فقال:
أدرها بالصغير وبالكبير ... وخذها من يدي قمر منير
ولا تشرب بلا طرب فإنّي ... رأيت الخيل تشرب بالصفير
أقول: والشيء بالشيء يُذكَر حدّث الصولي عن أبي نؤاس قال: حججت مع الفضل بن الربيع حتّى إذا كنّا بأرض بني فزارة أيّام الربيع سرّحت عيني رامقًا في أحسن منظر، واستنشقت من رباها أطيب من المسك الأذفر، فقلت لمن معي: أمضي بنا إلى هذه الخيام فلعلّنا نجد عندها من نؤثر عنه خبرًا نرجع به إلى بغداد، فلمّا انتهينا إلى أوائلها فإذا نحن بخباء وعلى بابه جارية مبرقعة ترنو بطرف مريض الجفون، وسنان النظر قد حشي فتورًا وملىء سحرًا، وقد مدّت يدًا كلسان طائر بأطراف كالمذاري، وخضاب كأنّه عنم، فقلت لصاحبي: والله إنّها لترنوا عن مقلة لا رقية لسليمها ولا برء لسقيمها، فاستنطقها فقال: كيف السبيل؟ فقلت: استسقها، فدنى منها فاستسقاها، فقالت: نعمة عين فإن نزلتما فالرّحب والسعة، ثمّ قامت تتهادى في مشيتها كأنّها خوط بان أو قضيب خيزران تتثنّى، تجرّ خلفها كالعرارتين، فراعني والله ما رأيت، فأتت بالماء فأخذته فشربت منه وصببت باقيه على يدي، ثمّ قلت: وصاحبي أيضًا عطشان، فأخذت بالإناء ودخلت الخباء، فقلت لصاحبي: من الذي يقول:
إذا بارك الله في ملبس ... فلا بارك الله في البرقع
1 / 30