وإذا نزعت نزعت عن متحصّف ... نزع الحزوَّر بالرشاء المحصد
فملكت أعلاها وأسفلها معًا ... وأخذتها قسرًا وقلت لها اقعدي
وهذا البيت الأخير ليس من القصيدة، وكان سبب إلحاقه فيها ما رواه أبو نؤاس قال: رأيت النابغة الذبياني في منامي فقال لي: بماذا حبسك الرشيد؟ فقلت: بقولي:
أهج نزارًا وأفر جلدتها ... وهتك الستر عن مثالبها
فقال لي: أهل ذلك أنت يابن المومسة، فقد استوجبت من كلّ نزاريّ عقوبةً مثلها بما ارتكبت منها، فقلت: وأنت حبسك النّعمان ببيت قلته ستره النّعمان عن الناس، قال: ما هو؟ قلت: قولك:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
فقال: أو كان هذا مستورًا؟ فقلت: بقولك:
وإذ لمست لمست أختم جاثمًا ... متحيّزًا بمكانه ملأ اليد
فقال: اللهمّ غفرًا، فقلت: فبماذا؟ قال: بقولي:
فملكت أعلاها وأسفلها معًا ... وأخذتها قسرًا وقلت لها اقعدي
فحدّث أبو نؤاس بهذا الحديث الزيدي فألحق البيت بقصيدة النابغة.
ويماثل قصيدة النابغة هذه ما قاله بعض العرب وهو القصيدة المشهورة المعروفة بالدّعديّة ولا بأس بذكرها لاشتمالها على نظائر تلك النعوت المارّة في الحكاية السابقة، فمنها:
آه على دعد وما خلقت ... إلاّ لطول بليّتي دعد
بيضاء قد لبس الأديم أديم ... الحسن فهو لجلدها جلد
ويزين فوديها إذا حسرت ... ضافي الغدائر فاحم جعد
فالوجه مثل الصبح منبلج ... والشعر مثل الليل مسودّ
ضدّان لمّا استجمعا حسنا ... والضدّ يظهر حسنه الضدّ
وجبينها صلت وحاجبها ... شحط المخطّ أزجّ ممتدّ
فكأنّها وسنى إذا نظرت ... أو مدنف لمّا يفق بعد
بفتور عين ما بها رمدٌ ... وبها تداوى الأعين الرَّمد
وتريك عرنينًا يزيّنه ... شَمم وخدّ لونه الورد
وتجيل مسواك الأراك على ... ثغر كأنَّ رضابه شهد
والجيد منها جيد جازية ... تعطوا إذا ما طلّها البرد
وامتدّ من أعضادها قصب ... فعم زهته مرافق درد
والمعصمان فما يرى لهما ... من فعمة وبضاضة زند
ولها أنامل لو أرادت لها ... عقدًا بكفّك أمكن العقد
فكأنّما سقيت ترائبها ... والوجه ماء الحسن إذ تبدو
وبصدرها حقّان خلتهما ... كافورتين علاهما ندّ
والبطن مطويّ كما طويت ... بيض الرياط تصونها الملد
والتفَّ فخذاها وفوقهما ... كفل يجاذب خصره النهد
وبخصرها هيف يزيّنه ... فإذا تنوء تكاد تنتقد
فقيامها مثنى إذا نهضت ... من لينها وقعودها فرد
ما شأنها طول ولا قِصر ... أزرى بها فقوامها قصد
ولهاهن راب مجسّته ... ضيق المسالك حرَّه وقد
فإذا طعنت طعنت في لبد ... وإذا جذبت يكاد ينسدّ
فكأنّه من كبره قدح ... أكلَ العيال وكبّة العبد
والساق خرعبة منعّمة ... ثملت وطوق الحجل مشتدّ
ومشت على قدمين خصرتا ... والتفّتا فتكامل العقد
إن لم يكن وصل لديك لنا ... يشفي الصبابة فليكن وعد
إن تتهمي فتهامة وطني ... أو تنجدي إنّ الهوى نجد
قد كان أورق وصلكم زمنًا ... فذوي الوصال وأورق الصدّ
لله أشواقي إذا نزحت ... دار لكم ونأى بكم بعد
وإذا المحبّ شكى الصدود ولم ... يعطف عليه فقتله عمد
أما ترى طمريَّ بينهما ... رجل ألحَّ بهزله الجدّ
فالسيف يقطع وهو ذو صدء ... والحدَّ يفري الهام لا الغمد
هل ينفعنّ السيف حليته ... يوم الجلاد إذا نبا الحدّ
ويشبه قوله: أما ترى طمريَّ الخ قول بعضهم فيما أخبر به محمّد بن الخطّاب الكلابي: إنّ فتىً من الأعراب خطب ابنة عمٍّ له، فأبى أبوها أن يزوّجه إيّاها لأنّه كان معسرًا، فكتب إلى ابنة عمّه بهذه الأبيات:
يا هذه كم يكون اللوم والفند ... لا تعذلي رجلًا أثوابه قِدَد
إن يمس منفردًا فالبدر منفرد ... والليث منفرد والسيف منفرد
أو كنتِ أنكرت طمريه وقد خلقا ... فالبحر من فوقه الأقذار والزَّبد
1 / 28