Ciqd Mufassal
العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
وقف السهاد بمقلتي متوسّمًا ... فرأى بها أثر الكرى فأناخا
الباب الثامن حرف الدال
وفيه فصول
فصل في المديح
قلت فيه هذه الغادة الحسناء:
عيشك غضٌّ والزمان أغيد ... وطرف حسّادك فيه أرمد
يا لابس النعماء هنّئت بها ... ملابسًا كساكهنَّ أمجد
أقبح شيء أن تذمَّ زمنًا ... حسبك فيه حسنًا محمّد
يا أعين الوفّاد قرّي بفتىً ... في مطلع العلياء منه فرقد
ذاك الذي كلتا يديه لجّة ... قد طاب للعافين منها المورد
مبارك الطلعة مرهوب الحمى ... في بردتيه قمرٌ وأسد
موقّر المجلس ذو ركانة ... حسوته على شمام تعقد
بالفصل في صدر الندي ناطق ... كأنّما لسانه مهنّد
سقيط طلٍّ لك من بيانه ... أو لؤلؤٌ في سلكه منضد
روضة فضل يجتني رائدها ... زهرًا بطيب النشر عنه يشهد
ينمي لقوم في الزمان خلقوا ... جواهرًا يزان فيها الأبد
هم خير من رشحه لسؤدد ... مجدٌ وأزكى من نماه محتد
أقول: وقد اشتمل قولي: أقبح شيء أن تذمّ زمنا، على المقابلة وذلك أنّي قابلت اثنين باثنين؛ الذمّ والقبح بالحسن والحمد، وقال الصغرائي في لاميته:
حلو الفكاهة مرّ الجدَّ قد مزجت ... بقسوة البأس منه رقّة الغزل
فجمع بين ثمانية أشياء لم تجتمع لغيره بهذا الإنساجام والسلاسة، وهي: الحلاوة والمرارة والفكاهة أي المزاح، والجد والقسوة والرقّة والبأس والغزل. وقال أبوالطيب المتنبّي وأحسن غاية الإحسان:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي
ومن النادر قول بعضهم وقد قابل ستّةً بستّة:
على رأس عبد تاج غرٍّ يزينه ... وفي رجل حرٍّ قيد ذلّ يشينه
فإنّه قابل لفظة على ب "في"، والرأس بالرجل، والعبد بالحرّ، والتاج بالقيد، والعزّ بالذلّ، والزين بالشين.
حكي أنّ شرف الدين مستوفي إربل أنشد هذا البيت لغيره، وكان أبوبكر محمّد بن إبراهيم الإربلي حاضرًا فقال على البديهة وقابل أربعةً بأربعة:
تسر لئيمًا مكرمات تعزّه ... وتبكي كريمًا حادثات تهينه
وكلّما كثر عدد المقابلة كان أبلغ وأحسن.
وممّا نظمته في أبيه محمّد الصالح هذه القصيدة:
لا زلت يا ربع الشباب حميدا ... باق وإن خلق الزمان جديدا
ما أنت للعشّاق إلاّ جنّة ... صحبوا بها العيش القديم رغيدا
أيّام كان العيش غضًّا ناعمًا ... والدهر مقتبل الشباب وليدا
والدار طيبة الثرى ممّا بها ... يسحبن ربّات الجمال برودا
يستاف زائرها ثراها عنبرًا ... فيكذبن طرفًا يراه صعيدا
يعطو إلى عذبات فرع أراكها ... ظبيٌ تفيّأ ظلّها الممدودا
غنخٌ يسلُّ من اللواحظ مرهفًا ... يغدو عليه قتيله محسودا
هو منتضىً في الجفن إلاّ أنّه ... بين الجوانح يغتدي مغمودا
أضحت ضرائبه القلوب تعدُّ أد ... ماها به وهو الشقيُّ سعيدا
وشقيق خدّيه النديّ من الحيا ... أضحى بعقرب صدغه مرصودا
يمسي سليمًا يشتفي بالريق مَنْ ... في الثم بات بقطفه معمودا
كم بتُّ معتنقًا له في ليلة ... بات العفاف بها عَلَيَّ شهيدا
وكأنّما في الأُفق هالة بدرها ... وبها الكواكب قد طلعن سعودا
ناد محمّد حلَّ فيه وولده ... بعلاه حفّت ناشئًا ووليدا
هو دارة الشرف التي قد مهّدت ... أبد الزمان بعزّهم تمهيدا
متعاقدين على المكارم أحرزوا ... شرفًا تماثل طارفًا وتليدا
وعليهم قطبًا فقطبًا دائرٌ ... فلك الفخار أبوةً وجدودا
كانوا قديمًا والعلى صدفٌ لهم ... درًّا تناسق في الفخار نضيدا
وأبوهم البحر المحيط وقد بدوا ... منه على جيد الزمان عقودا
هو لجّة المعروف ما عرف الورى ... إلاّ نداه منهلًا مورودا
يمسي بنفس لا تميل مع الهوى ... لله يحيى ليله تهجيدا
وإذا تجلّى الليل أصبح باسطًا ... للوفد كفًّا ما تعبّ الجودا
نسكٌ كما شاء الإله وأنعمٌ ... لم يحصها إلاّ الإله عديدا
تنميه من سلف المعالي أُسرة ... غلبوا على الشرف الكرام الصيد
1 / 121