Cinaya Tamma
العناية التامة في تحقيق مسألة الإمامة
Nau'ikan
فائدة: ومما يغلط فيه على الإمام استنكار كثير من المميزين، لما يصرفه الإمام إلى المؤلفين، واستنكاره واستهجانه لأجله، واعتقاد التفريط فيه، وقد يقول قائلهم: كانت عطية فلان الظالم أو الفاجر، يعني جماعة من الفقراء الفضلاء الأخيار، الذي لا يساوي شسع نعل أحدهم، وهذا من الجهل بعظم موقع المصلحة الحاصلة من التأليف في الدين، وكونها أعظم موقعا من المصلحة الحاصلة لمواساة الفقراء والمساكين، فإن مواساتهم والمصلحة فيهم مقصورة عليهم لا تتعداهم، وأما المؤلف ففي إعطاءه مصالح يتم نفعها ويعظم موقعها، فقد تكون المصلحة فيه قوة شوكة الحق، أو حفظ بيضة الإسلام، أو سد ثغر، أو دفع شر كان على المسلمين وجانب الدين، أو توصل إلى إقامة معروف ونهي منكر، وغير ذلك من أنواع المصالح الدينية، والمقاصد المرضية، وإنما يتوجه ما ذكروه لو أنه أعطاه لما يرجع إليه، ولكونه على الذي هو عليه، ولو رام الإمام أن يجري أمره على قاعدة وأن تتم منه قيام الفائدة، ويده مقبوضة عن المؤلفين، ومواساته مقصورة على الفقراء والمساكين، لرام شططا، ولتقاصرت عنه فسيحات الخطأ، فإن أمر الإمام لا يستقيم إلا بالتأليف على أنواعه، ولا يتم ولا ينتظم أبدا إلا مع كثرته واتساعه، هذا والإمام خليفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-وليس له إلا الاقتفاء لآثاره، والاهتداء بنوره وقد ظهر واشتهر ما اتفق وصدر من سيد البشر من إعطاء المؤلفين العطايا الواسعة، وإيثارهم على أهل المناصرة والمشايعة، كما فعل يوم حنين فإنه أعطى جماعة من المؤلفين كل واحد منهم مائة من الإبل، وخصهم بذلك دون الأخيار من المهاجرين والأنصار، ولم يؤثر أنه أعطى فقيرا ذلك اليوم للافتقار من ذلك عشر المعشار، ولعل المعطين أولئك لا يساوون كلهم ولا يزنون عند الله تعالى أثار أخمص واحد من السابقين الأولين، وسادة الأنصار والمهاجرين، وكفى بذلك دليلا واضحا وضوح النهار، ولكن من جهل الأمور خاض فيها بغير اعتبار.
ومن اعتلق به هوى النفس جانب مقتضى البصر والاستبصار، ومما يقضي منه العجب أن هذا المعنى المشار إليه قد يرتكز في ذهن كثير من أرباب الزكاة، الذين لهم مسكة من التمييز فترى منهم من يسوم الإمام إلى صرف ما أعطاه من واجبه إلا إلى الفقراء، ومنهم من لا يثق به في ذلك فيشترط في واجبه أن يوجه للفقراء من عنده، ويكون هو المسلم إليه ذلك من يده، وغفلوا عن كون الإمام أتقى الناس في الناس وأعرفهم بطرق الخلاص.
Shafi 147