51

وغزل قصصي خلقه الرواة لأنهم رأوا ميل الناس إلى الغزل وإلى حياة القصف وما يتبع حياة القصف، فنظموا قصائد نحلوها لشعراء لا نستطيع أن نحتمل تبعة القول بوجودهم في الحياة، أو القول بأنهم أشخاص خياليون خلقهم الرواة، أو زادوا من عندهم مقطعات نسبوها لهم وأضافوا إلى شعرهم، وزعيما هذا النوع قيس بن الملوح وليلاه، وقيس بن ذريح ولبناه.

3 (8) الشعر السياسي

بداية عصر بني أمية معركة سياسية لعب فيها معاوية وأنصاره دورا ممتعا طريفا في سبيل استلاب الخلافة من علي، وتأسيس ملك بني أمية على قواعد وسنن تخالف قليلا أو كثيرا ما كانت عليه الحال في عصر الخلفاء الراشدين. •••

الإنسان في سبيل تحقيق أطماعه السياسية هو بعينه في عصر معاوية، وفي عصر يوليوس قيصر وفي عصر بونابرت وفريدريك الأكبر أول عاهل لألمانيا، هو بعينه إنسان اليوم، هو بعينه كرئيس الولايات المتحدة وغيرها يستعمل المال في شراء الضمير الإنساني، ويعمل جهده على إذاعة دعوته، وتبيان فضائله، وتصويب خطته، باتخاذ الحملات الصحفية والخطابية وغيرها من وسائل الدعوة التي وصلت إليها المدنية الحديثة، والتي كانت في عصر معاوية وخلفاء معاوية وفي عصر المأمون وخلفاء المأمون تستخدم ألسنة الشعراء، وهي أسرع انتشارا، وأعمق أثرا، وأكثر رواية، وأطول عمرا مما يكتب اليوم فلا يرويه من الناس إلا قليل.

إنك لتعلم ما لاستخدام الشعر من أثر في كثير من الحركات السياسية، واستحثاث العزمات، وإنهاض الهمم في الانقلابات الاجتماعية، وما «للمرسليز» من أثر في نفوس الجند الفرنسيين إذا حمي وطيس الحرب واشتد أوارها، وأنت جد عالم بما كان لقصائد «اللورد بيرن» الواحدة تلو الأخرى، في سبيل استقلال اليونان الحديثة، وفي سبيل اجتذاب عطف أوروبا وساستها وجماهيرها وملوكها ونوابها وصحفها، ليأخذوا بناصر أمة مهيضة غلبت على أمرها.

أنت جد عالم بأن قصائد «بيرن» هذه فعلت في المعركة السياسية ما لم تفعله جيوش مصر وأساطيلها، وذخيرة الترك وانتصارها، فكان الحكم ل «بيرن »، وكان الانتصار لشعره. •••

كذلك كان الحال في عصر بني أمية، وكذلك كان أثر الشعر إن لم يكن أبلغ وأوسع نطاقا. ألم يوعز معاوية، في رواية يزيد ابنه، إلى مسكين الدارمي أن يقول أبياتا في معنى المبايعة ليزيد وينشدها إياه في مجلسه وهو حافل بالوجوه والأشراف؟!

وتقول رواية الأغاني: إن معاوية لما أراد البيعة ليزيد تهيب ذلك، وخاف ألا يمالئه عليه الناس لحسن التقية فيهم، وكثرة من يرشح للخلافة، وبلغه في ذلك ذرو

4

كلام كرهه من سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر، فأمر يزيد مسكينا - وكان يؤثره ويصله ويقوم بحاجاته عند أبيه - أن يقول أبياتا وينشدها معاوية في مجلسه إذا كان حافلا وحضره وجوه بني أمية، فلما اتفق ذلك دخل مسكين إليه وهو جالس، وابنه يزيد عن يمينه، وبنو أمية حواليه، وأشراف الناس في مجلسه، فمثل بين يديه وأنشأ يقول:

Shafi da ba'a sani ba