هذه المخايل حببته إلى الرشيد وجعلته يقدره قدره، فجعله ولي عهد الخلافة بعد أخيه الأمين، وجمعت حوله طائفة من ذوي الهمم الشماء الذين توسموا فيه محققا لأطماعهم الواسعة.
ومن أظهر هؤلاء الذين التفوا حوله لتحقيق مطامعهم الفضل بن سهل الذي اتخذ يحيى بن خالد البرمكي وسيلة إلى الرشيد في أن يكون في خدمة المأمون، وحسبك أن تعلم من أمر الفضل هذا، أنه القائل حين سئل عن السعادة: إنها أمر جائز وكلمة نافذة! وأنه الذي قال له مؤدب المأمون يوما في أيام الرشيد: إن المأمون لجميل الرأي فيك، وإني لا أستبعد أن يحصل لك من جهته ألف ألف درهم، فاغتاظ من ذلك وقال له: ألك علي حقد؟ ألي إليك إساءة؟! فقال المؤدب: لا والله ما قلت هذا إلا محبة لك، فقال: أتقول لي: إنك تحصل منه ألف ألف درهم؟ والله ما صحبته لأكتسب مالا قل أو جل، ولكن صحبته ليمضي حكم خاتمي هذا في الشرق والغرب! قال: فوالله ما طالت المدة حتى بلغ ما أمل.
حسبك أن نذكر لك هذا من أمر الفضل بن سهل لتعلم ما لهذا الرجل من همة وثابة، وعزيمة مرهفة مضاءة، ومطالع واسعة، وحسبك أن نذكر لك ما وصفه به أحد معاصريه، وهو إبراهيم بن العباس؛ لتقدر الرجل وتقدر كفايته، قال:
يمضي الأمور على بديهته
وتريه فكرته عواقبها
فيظل يصدرها ويوردها
فيعم حاضرها وغائبها
وإذا ألمت صعبة عظمت
فيها الرزية كان صاحبها
المستقل بها وقد رسبت
Shafi da ba'a sani ba