تحت التحديدات الزمنية لحالتها؛ أي إنها لن تكون ظاهرة، وإنما ينبغي النظر إليها على أنها شيء في ذاته، بينما تعد معلولاتها وحدها هي المظاهر.
12 ⋆
فإذا استطعنا أن نتصور، دون تناقض، كائنات عاقلة تمارس مثل هذا التأثير على الظواهر، فعندئذ ستلحق الضرورة الطبيعية جميع ارتباطات العلة والمعلول في العالم المحسوس، وإن كان من الممكن ، من ناحية أخرى، التسليم بحرية العلة التي ليست هي ذاتها ظاهرة (مع كونها أساسا للظاهرة). وإذن فالطبيعة والحرية يمكن أن ينسبا دون تناقض إلى الشيء نفسه، ولكن على نحوين مختلفين؛ أي بوصفه مظهرا من ناحية، ووصفه شيئا في ذاته من ناحية أخرى.
إن لدينا في ذاتنا قدرة لا ترتبط فقط بالأسس المتحكمة فيها ذاتيا، التي هي العلل الطبيعية لأفعالها، وبالتالي لا تقتصر على أن تكون قدرة كائن ينتمي هو ذاته إلى الظواهر، وإنما ترتبط أيضا بأسس موضوعية ليست سوى «الأفكار»، من حيث إن في وسعها التحكم في هذه القدرة. وتعبر عن هذا الارتباط كلمة «الوجوب
Sollen ». وهذه الملكة تسمى ب «العقل»
Vernunft ، وبقدر ما ننظر إلى الكائن (كالإنسان) تبعا لهذا العقل القابل للتحدد موضوعيا فحسب، فلا يمكن أن يعد كائنا محسوسا؛ فهذه الصفة صفة للشيء في ذاته، وهي صفة لا نستطيع أن نفهم إمكانها. أعني أننا لا يمكننا أن نفهم كيف يستطيع «الوجوب» أن يتحكم (حتى لو لم يكن ذلك قد حدث بالفعل على الإطلاق) في فاعليته، ويصبح علة لأفعال نتيجتها ظاهرة في العالم المحسوس. ومع ذلك فإن علية العقل تغدو حرية فيما يتعلق بالمعلولات في العالم المحسوس، بقدر ما يمكننا أن ننظر إلى «الأسس الموضوعية» التي هي ذاتها أفكار، على أنها هي المتحكمة في هذه المعلولات؛ إذ إن فعل العقل في هذه الحالة لن يتوقف على الشروط الذاتية، وبالتالي لن يتوقف على شروط زمانية، ولن يتوقف تبعا لذلك على قانون الطبيعة التي يتحكم فيها؛ إذ إن القاعدة التي تضفيها أسس العقل على الأفعال تكون شاملة وفقا للمبادئ، ولا تتأثر بظروف الزمان ولا المكان.
وفي وسعي الآن أن أقول، دون تناقض، إن جميع أفعال الكائنات العاقلة، من حيث هي ظواهر (تصادف في تجربة ما) تخضع لضرورة الطبيعة، غير أن نفس هذه الأفعال تغدو حرة إذا ما نظر إليها من حيث الذات العاقلة وحدها، وقدرتها على الفعل تبعا للعقل وحده؛ إذ ما هو الشرط اللازم لضرورة الطبيعة؟ لا شيء سوى قابلية كل حادث في عالم الحس للتحدد وفقا لقوانين ثابتة ؛ أي إرجاعه إلى علة في عالم الظواهر، بينما يظل الشيء في ذاته، الذي يكون أساس الحادث وعلته، مجهولا. غير أن قانون الطبيعة يظل باقيا، سواء أكان الكائن العاقل هو علة المعلولات في عالم المحسوس عن طريق العقل - أي من خلال الحرية - أم لم يكن يتحكم فيها على أسس منتمية إلى مجال العقل. ففي الحالة الأولى يتم الفعل تبعا لقواعد عامة
Maximen
تتمشى نتيجتها، من حيث هي ظاهرة، مع قوانين ثابتة على الدوام. وفي الحالة الثانية، التي لا يتم فيها الفعل حسب مبادئ العقل، يخضع الفعل لقوانين الحس التجريبية، وفي الحالتين ترتبط المعلومات تبعا لقوانين ثابتة. ولسنا في حاجة إلى أكثر من هذا فيما يتعلق بالضرورة الطبيعية، بل إننا لا نعرف عنها أكثر من هذا. ولكن العقل في الحالة الأولى هو علة قوانين الطبيعة هذه، ومن ثم فهو حر، أما في الحالة الثانية فإن المعلومات تتلو وفقا لقوانين الحس الطبيعية وحدها؛ لأن العقل لا يؤثر فيها. غير أن العقل ذاته لا يتحدد، لهذا السبب، بالحساسية (وهو محال)، ولذا يكون حرا في هذه الحالة بدورها، وإذن فالحرية ليست عائقا في وجه القانون الطبيعي للظواهر، كما أن هذا القانون لا يقضى على حرية الاستخدام العملي للعقل، الذي يرتبط بالأشياء في ذاتها، بوصفها الأسس المتحكمة فيه.
وهكذا تصان الحرية العملية؛ أي الحرية التي تكون للعقل فيها علية مبنية على أسس متحكمة موضوعيا، دون أن يستتبع ذلك أي تضييق لنطاق الصورة الطبيعية فيما يتعلق بالمعلولات ذاتها، بوصفها ظواهر. وهذه الملاحظات ذاتها تفيد في تفسير ما قلناه بشأن الحرية الترنسندنتالية وتمشيها مع الضرورة الطبيعية (في الذات الواحدة، ولكن ليس تبعا لوصف واحد لها) إذ إنه في هذه الحالة تكون كل بداية لفعل كائن تبعا لعلل موضوعية تعد أسسا متحكمة و«بداية أولى» على الدوام، وإن يكن هذا الفعل ذاته في سلسلة المظاهر مجرد «بداية ثانوية»، ينبغي أن تسبقها حالة للعلة تتحكم فيها وتخضع هي ذاتها، على النحو ذاته، لتحكم حالة أخرى تسبقها مباشرة. وهكذا نستطيع، دون أن نناقض قوانين الطبيعة، أن نتصور لدى الكائنات العاقلة، أو الكائنات في عمومها بقدر ما تتحدد عليتها فيها بوصفها أشياء في ذاتها، قدرة على أن تبدأ من ذاتها سلسلة من الحالات؛ إذ إن علاقة الفعل بالأسس الموضوعية للعقل ليست علاقة زمنية، ولا يكون الفعل في هذه الحالة مسبوقا في الزمان بما يتحكم في عليته؛ إذ إن هذه الأسس المتحكمة لا تمثل الإشارة إلى موضوعات حسية؛ أي إلى العلل المتحكمة من حيث هي أشياء في ذاتها، لا تندرج تحت شروط الزمان، وعلى هذا النحو يمكننا أن نعد الفعل، فيما يتعلق بعلية العقل، بداية أولى، في حين أنه فيما يتعلق بسلسلة الظواهر لا يعدو أن يكون بداية ثانوية، ومن ثم ففي وسعنا دون تناقض أن نعده حرا من وجهة النظر الأولى، وخاضعا للضرورة الطبيعية من وجهة النظر الثانية (أي من حيث هو مجرد ظاهرة).
Shafi da ba'a sani ba