3
والقديس أوغسطين
4
وباسكال؛
5
فجميع هؤلاء الكتاب يرون أن أهمية الحياة الدينية ليست في قدرتها على تقديم إجابات عن الأسئلة التي قد يظل العالم الدائب يوجهها خلال بحثه لأسباب الظواهر الطبيعية، وإنما هي تنحصر في نوع من الالتزامات أو العهود الإيمانية فوق العقلية، تصدر استجابة لشكوك من نوع مخالف تماما. إذ إن كيركجورد، شأنه شأن جميع الإيمانيين، يرى أن الأسئلة الدينية الأساسية لا تقبل إجابات عقلية. ولكن لا شك في أن هذا راجع إلى أن الأسئلة الدينية لا تثار نتيجة لشيء يمكن أن يسمى رغبة في اكتساب المعلومات، بأي معنى معتاد لهذه العبارة. فليس ما تستهدفه هو الفهم، وإنما هي تستهدف شيئا يتجاوز الفهم؛ أعني الخلاص. وليس للخلاص من سبيل إلا العهد الإيماني.
ويكشف كيركجورد عن موقعه التاريخي على نحو آخر، حين يستخدم فكرة «التطور
development ». على أن هدفه ليس وضع قوانين للتطور التاريخي، كما فعل هيجل وماركس، وإنما كان مهتما بما يمكن تسميته «بتطور أشكال التقدم الروحي». وفي رأيه أن لهذا التطور مراحل ثلاث، على نحو قد يذكرنا بأوجست كونت، ولكن بينما نظر كونت إلى قانونه الخاص بالمراحل الثلاث على أنه ينطبق على التطور العقلي للفرد والجنس، فإن فكرة كيركجورد لا تتعلق إلا بالتطور الروحي للنفس البشرية من الوعي الحسي
aesthetic
إلى الأخلاقي، ثم إلى الديني. وقد يوحي هذا، لأول وهلة، بأنه بينما ينظر كونت إلى رجل العلم على أنه أعلى مرحلة للتطور البشري، فإن كيركجورد يرى أن رجل الدين يمثل أعلى المراحل. غير أن المظاهر هنا خداعة إلى حد ما، والمقارنة ذاتها مضللة إلى أبعد حد؛ فكونت وكيركجورد لم يكونا في الواقع يتحدثان عن التقدم من منظور واحد في نظريتهما عن المراحل الثلاث. ويتضح ذلك إذا تذكرنا أن كونت لا يوحد بين اللاهوت والدين، وأنه ينظر إلى العالم الكامل على أنه ملتزم أيضا بالعقيدة الوضعية للبشرية. وبالاختصار، فإن كونت لا يرى تعارضا بين العلم والدين، وإنما التعارض في رأيه يقوم بين الطريقة اللاهوتية لتصور عالم الواقع والتفكير فيه. أما كيركجورد فلا يتحدث عن التفكير العلمي بوصفه واحدا من هذه المراحل. والتطور الذي يصفه ليس تقدما من العلم إلى الدين، وإنما من الفن
Shafi da ba'a sani ba