Carl Buber: Shekara Dari na Fadakarwa
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Nau'ikan
من حيث مضمونها تعتمد على وحدة الحرية الموضوعية (أي حرية الإرادة الكلية أو الجوهرية) والحرية الذاتية (أي حرية كل فرد في أن يعرف وأن يريد غايات جزئية).
من حيث صورتها فهي تحدد ذاتها عن طريق القوانين والمبادئ التي هي أفكار ومن ثم كلية» (فلسفة الحق، فقرة 258).
المواطن في الدولة إذن هو فرد هو عالم من الفكر والشعور والفعل، وهو قادر على السعي نحو تحقيق غايات تنتمي إلى شخصيته، وهو يميز نفسه على نحو فريد بالاهتمامات الشخصية والأفكار والقيم وسمات الشخصية، لكنه كذلك عضو في دولة، وهو بما هو كذلك يسعى إلى تحقيق الكلي؛ أعني الحكومة والقانون والعادات في حياته، وهذا الكلي الذي هو الدستور يكمن تحت إرادة الشعب ككل ويجسد القيم الأساسية، بمقدار ما يتلقى تصديق العقل، ومن ثم فإن المواطن الذي هو على وعي بعضويته في الدولة يعي كذلك أن حريته الحقيقية تتجسد من خلال الكلي أو الدستور؛ لأنه تعبير عن إرادته الكلية، والقوانين التي يقضي بها الدستور لم تعد بعد أوامر خارجية محايدة عليه أن يطيعها لو أراد أن ينجز غايات معينة وإنما هي قوانينه الخاصة، القوانين التي تعبر هي إرادته بوصفه عضوا في الدولة: «غير أن هذه القوانين، وهذه المؤسسات من ناحية أخرى ليست شيئا غريبا عن الذات، بل على العكس فإن روح الذات تشهد عليها بوصفها ماهيتها، أعني الماهية التي تشعر فيها الذات بذاتيتها، والتي تعيش فيها كما تعيش في عنصرها الخاص الذي لا تنفصل عنه» (فقرة 147). وهذا هو السبب في أن حريته يمكن إنجازها فقط عندما يريد في أفعاله أن يحقق نسق القوانين التي تنبع من الدستور، وإذا عبرنا عن ذلك بطريقة أخرى، قلنا: إن المواطن يحدد نفسه ويتنسم نسيم الحرية عندما يعمل طبقا للقوانين التي يضعها الدستور، وبالتالي فإن المواطن الذي يفشل في توحيد إرادته الشخصية الذاتية مع الإرادة الموضوعية التي تجسد الدرجة القصوى من العقلانية، لن يحقق في فعله حريته الكاملة. «الدولة في ذاتها ولذاتها هي كل أخلاقي، إنها التحقق الفعلي للحرية، وتلك هي الغاية المطلقة للعقل أن تتحقق الحرية تحققا فعليا» (ملحق للفقرة 258). وبالتالي فما دامت الدولة هي الروح على الأرض - وهي تتحقق هناك بوعي - وما دامت هي التحقق الأعلى للفكرة الأخلاقية على الأرض، فإنه ينتج من ذلك أن المواطن - شاء أم أبى - لن يستطيع أن يحقق حريته إلا كعضو في الدولة، كعضو يتطلع لتحقيق الغاية التي تعبر عن الإرادة الكلية، «إن ماهية الدولة الحديثة هي أنها اتحاد الكلي بالحرية الكاملة لأعضائها الجزئيين وبمصلحة الأفراد، حتى إن مصلحة الأسرة والمجتمع المدني لا بد أن تتمركز في الدولة، رغم أن الغاية الكلية لا يمكن أن تتقدم بغير معرفة شخصية، وإرادة أعضائها الذين لا بد أن تتأكد حقوقهم الخاصة. وهكذا نجد أنه لا بد من تعزيز الكلي من ناحية، ولا بد للذاتية من ناحية أخرى أن تبلغ تطورها الحي الكامل، وعندما توجد هاتان اللحظتان معا وفي قوتهما، عندئذ فقط يمكن أن ينظر إلى الدولة على أنها تنظيم عضوي أصيل منسق» (ملحق للفقرة 260). وعلى ذلك نجد أن الدولة بخلاف الحكومة في المجتمع المدني لا تقف أمام أعضائها على أنها «آخر»، أو على أنها شيء خارجي عنهم، وإنما هي الآن وحدة تجسد حقوقهم ومصالحهم، فإذا لم تنسجم غاية الفرد مع غاية الدولة بشكل أو بآخر، فإن الدولة تصبح «معلقة في الهواء» وتأخذ مكان المجتمع المدني. ومن ثم فإن المواطن حين يطيع القوانين التي سنتها الدولة فإنه يحقق حريته؛ لأن القانون الذي يطيعه إنما هو تعبير عن إرادته وغايته الحقيقية-إنه قانونه هو، وهذا هو أساس الدعوة بأن «على الأفراد واجبات تجاه الدولة بمقدار ما لهم عليها من حقوق» (فقرة 261).
هكذا يتبين أن نقاد هيجل قد جانبوا الصواب حين نعتوا فكرته عن الدولة بأنها فكرة شمولية، وحين اتهموه بتجاهل الفردية الإنسانية
Individualism
وإقصائها من تخطيطه السياسي والاجتماعي، ويتبين أن أغلب الاعتراضات التي قدمت ضد تصور هيجل للدولة هي اعتراضات أحادية الجانب تقوم على قراءة شذرات مبتورة من «فلسفة الحق»، وتغفل تلك الوحدة العضوية العميقة لنظرة هيجل إلى الواقع السياسي. إن بنية الدليل الفلسفي الذي ساقه هيجل في «فلسفة الحق» لا تسمح، حتى من حيث المبدأ بالمجتمع الشمولي أو السلطوي، فنقاد هيجل لا يتبينون بوضوح كاف الأساس الذي أقام عليه الدولة من ناحية وغاية الدولة من ناحية أخرى.
أساس الدولة عند هيجل هو القانون، فما يحكم ويحدد حياة الفرد في الدولة ليس عاملا خارجيا، ولا قوة خارجة عن الفرد ، وإنما هو القانون، القانون الذي يدركه المواطن عن وعي بوصفه موجودا عاقلا حرا، ومن ثم فإن المواطن الذي هو عضو في الدولة إنما يوجد في ظروف فردية وبوصفه مصدر السلطة؛ أعني الدولة التي تحدد حياته وحياة المجتمع بصفة عامة.
وغاية الدولة عند هيجل هي الحرية لأعضائها، وبالتالي فإن الدولة هي الوسط الذي يحقق فيه المواطن حريته بوصفه فردا بشريا، ولا يمكن للدولة أن تستخدم المواطن كوسيلة لغاية جزئية أنانية، بل على العكس إنها تبلغ خاصيتها كدولة فقط عندما تعامل كل مواطن على أنه شخص، أعني على أنه غاية في ذاته.
10
أليس من العبث والمغالطة أن نصرف أنظارنا عن عمق التحليل الهيجلي للدولة، ثم نطبق عليه ببساطة أسماء وعناوين مثل: شمولي، غير ديمقراطي، غير ليبرالي؟ ذلك أن من المحال لأي لقب من هذه الألقاب أن يصف موقف هيجل وصفا كافيا. والحق أن هيجل نفسه ينفر من هذه الألقاب، واهتمامه الأساسي هو ببساطة أن يحلل الطبيعة الجوهرية أو المبدأ الأساسي للدولة ... ما يجعل من المجتمع المنظم دولة ... الشروط التي يستطيع فيها أي عضو في هذا المجتمع أن يحقق فرديته الإنسانية أو حريته. إن الشكل الذي يتخذه الدستور عند هيجل (الشكل الديمقراطي، الكلي ، ... إلخ) ليس هو الأمر الحاسم وإنما السؤال الحقيقي هو: بأية طريقة يستطيع الدستور - عندما يصبح عاملا في تشكيل سلوك المواطنين - أن يساعد في نمو النوع الأعلى من الشخصية البشرية، الشخصية التي تستطيع تحديد مصيرها، أو باختصار الشخصية الفاضلة؟ «عندما سأل أحد الآباء فيلسوفا فيثاغوريا عن أفضل طريقة لتربية ابنه تربية أخلاقية، أجاب الفيلسوف الفيثاغوري بقوله: اجعل منه مواطنا في دولة ذات قوانين صالحة» (فلسفة الحق فقرة 153، إضافة). هكذا يلح هيجل على أن تطور القيم لا يتم في فراغ، وإنما يتم في وسط عيني من القوانين والعرف والمؤسسات بصفة عامة، وليس في استطاعتنا، شئنا أم لم نشأ، أن نتجاهل دور هذه العوامل في ازدهار الشخصية البشرية.
Shafi da ba'a sani ba