Carl Buber: Shekara Dari na Fadakarwa
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Nau'ikan
8
الحق أن المرء لا يجد في هذا الفصل أي دليل يعالجه، ولا حجة يتناولها، ولا حصن يغريه بالهجوم، وإن المرء ليسأل نفسه بعد قراءة هذا الفصل: «حسنا، ولكن أين هيجل؟» أين ذلك الصرح العقلي الشامخ الذي لا يعرف الخصم من أين يناله ولا من أين يأتيه؟ ربما لذلك اتجه بوبر إلى شخص الخصم بعد أن أعيته الحيلة في النيل من فكره.
إنه يصف هيجل بأنه أفاق يعمد إلى استخدام طنين لفظي يغشي به على فراغ فكره، وأنه متملق ذليل يهدف من مذهبه إلى تمكين عرش سيده وولي نعمته الملك البروسي الرجعي، وأن نفوذه الفكري المطبق هو مما أفاضه عليه سيده ثمنا لبضاعته الدعاوية الخبيثة، ومما أفاضه عليه عامة الناس الذين وجدوا فيه ما صورته لهم أفكارهم المغلوطة عن الفلسفة وطبيعتها، وبوبر في كل هذا يؤيد دعواه بشواهد مطولة من نصوص هيجل اقتلعها من سياقاتها ولفقها تلفيقا، وهي طريقة لو طبقتها على أعمق كتاب لبدا أحمق مأفونا، وإن هيجل لأيسر ضحية لمثل هذه الطريقة من العرض، ذلك أنه دأب على شرح كل جانب من جوانب موضوعه على حدة، فإذا تحدث مثلا عن «الدولة» فإنه يركز على الوجه الجمعي من السياسة، وإذا تحدث عن المجتمع المدني، فهو أكثر تركيزا على النزعة الفردية، ولا تكتمل الصورة الحقيقية التي يريد أن يرسمها إلا باجتماع الوجهين وضمهما سويا، غير أن بوبر لم يكن مقصده في هذا الفصل أن يفهم هيجل بل أن يدمره.
إن نظرة هيجل إلى المواطن بوصفه فردا هو حجر الزاوية في بناء الدولة عنده، والدستور الذي ينبع من إرادة الشعب هو المبدأ النهائي الذي ينظم شئون الدولة ومؤسساتها، والمواطن في دولة هيجل يشارك في العملية السياسية ، أي في صياغة القانون وتنفيذه، بطريقتين: (1)
فهو يشارك بطريقة غير مباشرة بواسطة السلطة التشريعية التي هي مجلس للمقاطعات أو للطبقات أو للفئات ينتخب الشعب أعضاءه، وتقوم هذه المؤسسة بصياغة قوانين الدولة ووضع البرامج التي تكفل الرخاء للمجتمع ككل. (2)
ويشارك المواطن على نحو مباشر في العملية السياسية عن طريق التصويت العلني بإبداء رأيه الشخصي الخاص في المسائل المتعلقة بشئون الدولة، يقول هيجل في «فلسفة الحق»: «تعتمد حرية الأفراد الذاتية على أنهم يكونون آراءهم الخاصة وأحكامهم الشخصية ويعبرون عنها فضلا عن توصياتهم في شئون الدولة، وتتجلى هذه الحرية على نحو جمعي فيما نطلق عليها اسم «الرأي العام» الذي يرتبط فيه ما هو كلي وجوهري وحق بضده؛ أعني بما هو جزئي وبآراء شخصية للكثرة أو المجموع» (الفقرة 316). وهكذا نجد أن «الرأي العام» هو خليط من الكلي والجزئي، من العقل واللاعقل، من الجاد والتافه، إذ يعبر عنه الأفراد المختلفون في درجة ذكائهم ومزاجهم واهتماماتهم وبواعثهم، وهذا يظهر لنا على أن الرأي العام يبدو أمام الحكومة بطريقة غير منظمة، لكن الدولة ينبغي أن تؤدي عملها في جو من النظام والتخطيط الفكري، وبالتالي ينبغي انتقاء تلك الأفكار أو الآراء التي تعبر أعظم تعبير عن المصلحة العقلية للمجتمع ككل، وما هو هام في ذلك الانتقاء أو الاختيار ليس من يعبر عن هذه الفكرة أو ذلك الرأي أو عددهم، بل ما هي الفكرة الخيرة أو العظيمة؟ عظيم من يستطيع أن ينظم الحاجة الكلية للشعب! «فالرجل العظيم في عصر ما هو الرجل الذي يستطيع أن يضع إرادة عصره في كلمات، إن الرجل الذي يتنبأ لعصره بما يريد ثم يقوم بإنجازه، وما يفعله هو قلب عصره وماهيته، إنه يحقق عصره بالفعل.
أما من ينقصه الحس الكافي لاحتقار الرأي العام الذي يتجسد في الإشاعات، فإنه لن ينتج أبدا شيئا عظيما» (الفقرة 318). وبالتالي فإننا نستطيع أن نحترم الرأي العام أو نحتقره، إننا نحتقره بمقدار ما يتضمن من أكاذيب ومصالح ذاتية، لكننا يمكن أن نحترمه بمقدار ما يتضمن من مصالح حقيقية للأمة، «ومن ثم فإن الرأي العام هو مستودع، ليس فقط للحاجات الأصلية والميول الصحيحة في الحياة العامة، بل هو أيضا مستودع لمبادئ العدل الجوهرية الأزلية أعني المضمون الحقيقي للدستور كله وللتشريع والحياة الاجتماعية والوضع العام للدولة» (الفقرة 317).
يتبين من ذلك أن الدولة عند هيجل ليست سلطة لا تناقش، وإنما هي على العكس تستمد سلطتها من إرادة الشعب: ليس فقط مما يقوله الناس على نحو مباشر بالتصويت على آرائهم كتابة أو مشافهة، بل أيضا ما يقولونه بطريق غير مباشر عن طريق السلطة التشريعية، وأيضا عن طريق حكمة أولئك المواطنين الذين لديهم استبصارات غنية لما هو أفضل للدولة ككل.
9
لست ترى في ذلك أثرا لأي سلطة مطلقة أو دولة تعرف كل شيء وتمارس سلطة عليا في المعرفة والقوة على مواطنيها، إن أساس الدولة عند هيجل هو سلطة العقل، ويكون الدستور عقليا إذا ما عبر عن غاية الإنسان القصوى ألا وهي الحرية: «إن غاية «العقل المطلق» أن تتحقق الحرية بالفعل» (هيجل، فلسفة الحق، ملحق للفقرة 258). وعلى ذلك فإننا لا نستطيع أن نقبل أن يوصف الدستور بالعقلانية؛ وبالتالي أن نقول: إنه مشروع، ما لم يوفر شرطا كافيا لبلوغ الحرية، غير أن السؤال الذي نبحث له عن إجابة ملحة هو: كيف تكون الحرية العينية ممكنة في دولة ذات دستور عقلي؟ ولقد كان هيجل على وعي بأهمية هذا السؤال؛ لأنه في بداية تحليله للفكرة الشاملة عن الدولة كتب يقول: «إن العقلانية، إذا ما أخذت، بصفة عامة، على نحو مجرد، فإنها تقوم على الوحدة التامة والكاملة بين «الكلي» و«الفردي»، وتعتمد العقلانية عندما تصبح عينية في الدولة على التالي:
Shafi da ba'a sani ba