Carl Buber: Shekara Dari na Fadakarwa
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Nau'ikan
Socialism . فالحق أنه لم يكن على أدنى معرفة بما يحمله المستقبل. أما ما أسماه «اشتراكية» فهو شيء مختلف تماما عن أي شكل من أشكال مذهب «التدخل»، ذلك أنه تنبأ بأن النمو الوشيك سوف يضائل من نفوذ الدولة السياسي والاقتصادي، بينما أدى مذهب التدخل إلى زيادة نفوذ الدولة في كل مكان.
28
كان ماركس متفائلا يؤمن بقانون «التقدم» الذي كان يؤمن به أيضا بورجوازيو عصره، فترتب على ذلك أن كانت خطته تصور مجتمعا ديناميكيا متحركا. وقد تنبأ للمجتمع بتطور ينتهي به إلى نظام مثالي لا مكان فيه للقهر السياسي والاقتصادي. وقد حاول أن يعمل على تحقيق هذا النظام المثالي الذي تذوي فيه الدولة ويتعاون فيه الأفراد على أساس من الحرية، فيقوم كل منهم بالعمل الملائم لقدراته، واجدا في المجتمع كل ما يرضي حاجاته. غير أن هذا التفاؤل التاريخاني لا يليق بنبي، إذ أنه يقيد الخيال التاريخي، كما أن واقعة التقدم، كما يقول فيشر: «مكتوبة بوضوح على صفحة التاريخ، غير أن التقدم ليس قانونا للطبيعة، فالأرض التي يكسبها جيل قد يخسرها الجيل الذي يليه.»
وتمشيا مع هذا المبدأ «كل شيء جائز» كان من الممكن أن تتحقق نبوءات ماركس، شأنها شأن جميع النبوءات التي تحقق ذاتها. فمذهب التقدم في القرن التاسع عشر يمكن أن يكون قوة سياسية كبيرة، ويمكن أن يحقق ما تنبأ به . وهكذا فحتى لو تحققت نبوءة ماركس فإن هذا ينبغي ألا يؤخذ على أنه تعزيز للنظرية ولصفتها العلمية. فقد يكون هذا بالأحرى نتيجة لطبيعتها الدينية ودليلا على قوة الروح الدينية التي استطاعت أن تبثها في الناس. وقد كان العنصر الديني في الماركسية بصفة خاصة واضحا لا تخطئه العين. لقد منحت نبوءة ماركس العمال في أحلك لحظات بؤسهم إيمانا بأنفسهم وبرسالتهم وبالمستقبل العظيم الذي ينتظر كل البشر على أيديهم.
غير أن الأمور أخذت منحى آخر. وتمكن العنصر النبوئي للماركسية من أذهان أتباعه وأزاح كل شيء عداها، وغيب ملكة الحكم النقدي الهادئ، وحطم الإيمان بأننا باستخدام العقل يمكننا أن نغير العالم. ولم يبق من تعاليم ماركس غير الفلسفة النبوئية الهيجلية التي هددت، في ثوبها الماركسي القشيب، بشل حركة النضال من أجل المجتمع المفتوح .
29 (16) الأساس الأخلاقي لكتابات ماركس
كانت المهمة التي نذر ماركس نفسه لها في كتابه «رأس المال» هي أن يكتشف القوانين الصارمة للتطور الاجتماعي. لم يكن همه أن يكشف القوانين الاقتصادية التي يرجى نفعها للتكنولوجي الاجتماعي. ولم تكن مهمته تحليل الشروط الاقتصادية التي تتيح تحقيق الأهداف الاجتماعية بأثمان عادلة: التوزيع العادل للثروة، الأمان، التخطيط المعقول للإنتاج، وفوق كل شيء «الحرية». ولا كانت مهمته محاولة تحليل هذه الأهداف وتوضيحها.
ولكن رغم أن ماركس كان مناوئا بشدة للتكنولوجيا اليوتوبية ولكل محاولة لتقديم تبرير أخلاقي للأهداف الاجتماعية، فقد كانت كتاباته تنطوي في داخلها على نظرية أخلاقية. وقد عبر عن هذه النظرية من خلال تقييمه الأخلاقي للنظم الاجتماعية بالدرجة الأساس. إن شجب ماركس للرأسمالية هو في نهاية المطاف شجب أخلاقي في جوهره. فالنظام الرأسمالي مدان، لأنه يشتمل على ظلم وحشي متأصل فيه ومقترن بتبرير «شرعي» كامل. النظام الرأسمالي مدان لأنه إذ يدفع المستغلين لاستعباد المستغلين فإنه يجرد كلا الطرفين من الحرية. إن ماركس لا يحارب الثراء ولا يقرظ الفقر. لقد كان يكره الرأسمالية، لا لأنها تكدس الثروة، بل لأنها أوليجاركية الطبع. كان يكرهها لأن الثروة في نظامها تعني النفوذ السياسي بمعنى التسلط على بقية الخلق. إنها تحول قوة العمل إلى سلعة، وهو ما يعني أن على الناس أن يبيعوا أنفسهم في السوق. كان ماركس يكره النظام الرأسمالي لأنه يشبه الرق.
يبدهنا بوبر بأن إيمان ماركس الحقيقي في نظره كان إيمانا بالمجتمع المفتوح! لقد كان موقف ماركس من المسيحية وثيق الصلة بموقفه من الرأسمالية، وبحقيقة أن الدفاع المنافق عن الاستغلال الرأسمالي كان في زمنه سمة من سمات المسيحية الرسمية. ولم يكن موقف ماركس في ذلك بعيدا عن موقف معاصره كيركجار، المصلح العظيم للأخلاق المسيحية الذي بين أن الأخلاق المسيحية الرسمية في عصره كانت أخلاقا مضادة للمسيحية، وكانت رياء مضادا للنزعة الإنسانية. كان النموذج الصارخ لهذا الصنف من المسيحية هو الكاهن الأكبر تاونسند، الذي ألف دفاعا سافرا عن الاستغلال، يؤكد فيه أن الجوع هو المحرك الطبيعي للصناعة والعمل ، وأن كل شيء في نظام العالم يعتمد على إفشاء الجوع بين الطبقة العاملة وإبقائه على الدوام! يرى تاونسند أن هذه هي الحكمة الإلهية من وراء مبدأ النمو السكاني، إذ يبدو أن من قوانين الطبيعة، ومن منابع السعادة، أن يكون الفقير «لا أباليا» قصير النظر حتى تبقى هناك فئة من البشر موكلة بالمهام الشاقة والوضيعة، مفسحة المجال للسراة من الناس لكي يفرغوا لأداء ما انتدبوا له وفق ميولهم. ويزيد هذا السري الأذل، كما يسميه ماركس، أن محو الفقر من شأنه أن يفسد الانسجام والجمال والاتساق الذي ينطوي عليه ذلك النظام الذي وضعه الله ووضعته الطبيعة في العالم!
إذا كان هذا الصنف من المسيحية قد انمحى اليوم من وجه الأرض، فإن الفضل في ذلك يعود في جزء كبير منه إلى الإصلاح الأخلاقي الذي جاء به ماركس. ولعل تأثيره على المسيحية أن يكون مكافئا لتأثير لوثر على الكنيسة الكاثوليكية، فكلاهما كان تحديا، وكلاهما أدى إلى إصلاح مضاد في معسكر الأعداء، إلى تنقيح ومراجعة وإعادة تقييم لمعاييرهم الأخلاقية.
Shafi da ba'a sani ba