============================================================
وأما الذي يصلح للمشيخة فهما القسمان الأخيران، والأول منهما: وهو السالك الذي ثذورك بالجذبة، وهو المحب أولا المحبوب آخرا، فكونه يحبا من حيث أنه كانت بدايته المجاهدة والمكابدة في مباشرة جوارحه الأعمال والمعاملة بالإخلاص والوفاء بشروطها، بحسب المساعي القلبية، فيسري النور من الظاهر إلى باطنه فيصير محبوبا، فتتم محبته ولذته فيخرج من وهج المكابدة بالأعمال إلى روح الحال، فحيئذ وجد العسل بعد العلقم، وتروح بنسمات الفضل بانكشاف غمام صفات النفس عنه، وبرز بذلك من ضيق المكابدة إلى متسع المساهلة الحاصلة لروحه من قطع دواعي النفس إلى السفل، وتأنس بنفحات القرب حتى نسي اللذات الفانية الخسيسة، وفتح له باب من المشاهدة التي هي أعظم لذة من اللذات الخسيسة بمراتب، فوجد دواءه عن مرض الميل إلى السفل، فكمل نور باطنه حتى فاض وعاؤه الباطن إلى ظاهره فتنور ظاهره بنور باطنه وصدرت منه كلمات الحكمة الصادرة عن كمال نور الباطن حتى تنورت قلوب السامعين فمالث إليه قلوبهم، ثم توالى عليه فتوخ الغيب. أنوارا بعد أنوار، وصار ظاهره مسددا بالأعمال، وصار باطنه مشاهذا للجمال والجلال.
وحينئذ صلح للجلوة لأنه لا يحتجب بشيء عن شيء حتى إنه صار له في جلوته معاني الخلوة، لأنه صار بحيث يغلب ويؤثر في كل شيء، ولا يؤثر فيه شيء ما يراه ويسمعه. كيف لا وهو يفترس الناقصين من حضيضهم إلى مرتبة الكمال؟ ولا تفترسه نفسه ولا شيطان ولا غيرهما من أرباب الضلال لتمكنه في الأعمال والأحوال فهو من الرجال القوامين على نساء نقوسهم ونساء نفوس غيرهم، ومثل هذا الكامل يؤهل للمشيخة، لأنه يكمل الناقصين بالأعمال التي أخذ بها أولا إن كان في طريق المحبين،
Shafi 57